اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مأساة الملك لير: جنونه الذ ي لم يكتملْ

مأساة الملك لير: جنونه الذ ي لم يكتملْ

نشر في: 29 أكتوبر, 2011: 05:45 م

صلاح نيازي 1-2 الآجرّة لا تصبح مفهوماً معمارياً إلا إذا تسلسلتْ هندسياً. كذلك الأفكار الشيكسبيرية نقترب من مدلولاتها أكثر إذا ما قَرَناها بما قبلها، وبما يلحقها. يبذر شيكسبير في الصفحات الأولى كلمات هي بمثابة مفاهيم تبدو عائمةً، أو عفو الخاطر. تعود ثانية في موقف آخرعلى لسان الشخصية نفسها ،
أو على لسان شخصية أخرى فتأخذ دلالة جديدة، تعود ثالثة ورابعة وفي كلّ مرّة تأخذ بعداً جديداً. فإذا بالشخصيات وكأنْ تتبادل الأدوار، وكأنْ نحن البشر مجرّد ممثلين، نتبادل الأدوار من حالٍ إلى حال.. القراءة الجادة تتقصّى تلك الأفكار، وكيف تنتقل وتتطوّر.   أعاد شيكسبير في مسرحية الملك لير، صياغة الإنسان بنِسبٍ  ومقاديرَ مختلفة عما جبلته عليه الشرائع الدينية والدساتيرالدنيوية. أراد أن يُرجع الإنسان إلى طبيعته.(سنفرد مقالة خاصة لمفهوم الطبيعة التي بدون فهمها تكون الترجمة سطحية ذات َعوج). ولأنّ شيكسبير معنيّ في هذه المسرحية بالإنسان وهو في أتّون التكوّن، وبالعالم وهو في أتون التمظهر، لذا ما من شئ ثابت، أو ساكن. حتى الجنون في رأس الملك لير، غير كامل الصيغة، فهو يتراوح نعمةً ونقمة.. المعركة بين العالم الأصغر (الإنسان) والعالم الأكبر(الكون)  لا يمكن لها أن تتوقف لأن الانتصار فيها قلِق، والاندحار فيها مؤقت. بكلمات أخرى؛ ما من شرّ لا يعود بنفع، وما من خيرخالٍ من ضرر. إنْ أحببتَ شيئاً قد يكون شرّاً، وإنْ كرهتَ شيئاً قد يكون خيراً. قلنا حتى الجنون في رأس الملك لير في طور التشكّل.بعد فراق سنوات، التقى الملك لير بابنته في السجن حين وقعا اسيريْن . لقاء لم يكنْ متوقعاً. التقاء طيور في قفص. دخل الملك لير القفص وكأنّه دخل جنّة استعاد فيها صحته العقلية. كانت غايته حين تنازل عن ملوكيته التحلل من المسؤليات وما تجرّه عليه من متاعب. هذه إذنْ جنة السجن في الظاهر. ما  من مسؤولية فيه عملياً. هل دامت هذه الجنة أم انقلبت إلى جحيم؟.في البداية استعاد الملك لير في السجن صحته العقلية، كيف لا وابنته كورديليا قاب قوسيْن. يراها بملء البصر، يسمعها بملء السمع، يلمسها، يشمها. بلغت" النيرفانا" أقصاها. هل دامت؟ وهل استعادة الملك لير لصحته العقلية نعمة أم نقمة، أمْ لا فرق، وذلك امرّ وأدهى؟.شُنقتْ كورديليا، فأين أضحت النيرفانا؟ الملك لير يحمل جثة ابنته كورديليا بين ذراعيْه. ميتة.يقول لير: "أعرف حين يكون الإنسان ميْتاً،وحين يكون حيّاً،إنها ميتة كالتراب..."هل أراد الملك لير بهذه البديهيات الساذجة أن يبرهن على صحته العقلية؟ ولكنّ  المأساة إنْ عظُمتْ قد تدحر كلّ قناعة ومعها تختلّ الحواس. في الواقع لم يكن الملك لير متيقناً من يقينيّته. راح يقرّب المرآة من فمها عسى أن تكون فيها مسحة من ضباب أنفاسها. لم يجد. هل ماتت؟ عاد ووضع ريشة على شفتيها عسى أن تحرّكها أنفاسها. هُيّئ له أنها تتحرّك. تحركت الريشة. "إنها ما تزال تعيش".لو عادت حيّة،" لعوّضته عن كلّ ما عانى من مآسٍ طيلة حياته".ناداها: كورديليا، يا كورديليا! كأنّها التفتتْ إليه. شُبِه له أنها التفتتْ. رجاها: "إبقيْ حيّة قليلاً".وقال لها: "ها، ماذا تقولين؟" لكنّ كورديليا لا تسمع. ميتة. برق الماضي فجأة برأس لير فتذكّر:"كان صوتها ناعماً دائماً، رقيقاً وخفيضاً".المعركة العجيبة الآن لا تدور رحاها بين العالم الأصغر والعالم الأكبر، بل اتخذت من رأس لير ميداناً لها. ما فعله شيكسبير للتمهيد لهذه المعركة، أوّلا جعل لير مجنوناً فتحمّل، بالضرورة، كل كوارث الكون بصدر عار، ورأس مكشوف.(كان يُقال إنّ المجنون لا يحسّ بالألم) ،وأعاد إليه قواه العقلية عندما التقى بابنته كورديليا ليرى الكوارث الجسيمة التي تُحيق به على حقيقتها.كورديليا ميتة بين يديه مرّة، وحية بين يديه مرّة. ولير يصحو لحظة، ويجنّ لحظة. لا تدري أيّهما أرحم به: الجنون أم الصحو؟ معركة لا ريب، لم يشهدْ لها تأريخ الأدب مثيلاً.***ما أنْ دخل لير إلى خشبة المسرح، وكورديليا ميتة بين ذراعيه، حتى صاح بأقصى ما في الرعد من قصف، وما في الريح من عصف:"إعولوا، إعولوا، إعولوا، إعولوا"، كرّرها أربع مرات، وكأنه يخاطب جهات الأرض جميعاً.في صفحات سابقة، اقترحت كورديليا على والدها لو أمكنهما لقاء أختيها أو ابنتيْه لدفع الأمور بالتي هي أحسن، فصاح :"لا، لا، لا"، وكأنه يخاطب عموم الجمهور في مسرحٍ دائري.***"لير: إعولوا! إعولوا ! إعولوا! إعولوا ! آه يا تماثيل صخرية في مقبرةلو كانت لديّ ألسنتكم وعيونكم لأطلقتها حتى تتصدع قبة السماء. لقد ذهبتْ إلى الأبدأعرف حينما يكون الإنسان ميتاً، وحين يكون حيّاً،إنها ميتة كالتراب. أعطوني مرآةفإذا ضبّب نَفَسُها المرآةَ أو كدّرهافهي ما زالت تعيش كَنْتْ: أهذه خاتمة العالم الموعودة؟ أدغار: أمْ صورة من ذلك العالم المفزع؟آلْبني: لتسقطِ السماوات ولتنتهِ  الحياةلير: الريشة التي وضعتها على شفتيها تتحرّكإنها ما تزال تعيش! فإن كانت حيّةفتلك فرصة تعوّضني عن كلّ المآسيالتي عانيتُ منها أبداً.كَنْتْ&

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram