هاشم العقابيكلما أقرأ أو أسمع تصريحا لرئيس الوزراء يحيرني فقدانه للدقة في اللغة والمعنى. وكنت غالبا القي باللائمة على مستشاريه لمعرفتي ببعض خلفياتهم السياسية واللغوية وغيرها من "الخلفيات". لكن تصريحاته الاخيرة حول مطالبة مجلس محافظة صلاح الدين بتحويلها الى اقليم مستقل، كشفت عن انه يفتقد الى فهم نصوص الدستور العراقي الذي اتى به للحكم وما يترتب عليها. وهذا قطعا يتحمله هو وليس غيره.
ففي لقائه الاخير بجمع من وجهاء وشيوخ عشائر صلاح الدين صرح المالكي بان: "جميع محافظات العراق ترفض فكرة التقسيم، وهذا ما لمسناه خلال لقائنا بالجماهير خلال الانتخابات". حقيقة لم نسمع ان احدا من محافظة صلاح الدين قد نادى بالتقسيم بل بالفدرالية والفارق بين الاثنين كبير. ومن الواضح ايضا ان تقسيم العراق لم يكن مطروحا للنقاش فترة الانتخابات حتى يقوم رئيس الوزراء باستطلاع اراء الجماهير عنه في وقتها. لا شك انه، في حديثه مع شيوخ صلاح الدين، قصد الفدرالية وليس التقسيم والا سيكون كمن يتحدث في موضوع هندسي في مؤتمر لاطباء العيون. وهكذا لا اجد بدا من اعادة صياغة جملته كالتالي: "جميع محافظات العراق ترفض فكرة الفدرالية، وهذا ما لمسناه خلال لقائنا بالجماهير خلال الانتخابات" وهذا ينم عن انه اما يعيش في عالم أو دولة أخرى غير العراق، أو انه يتقصد تضليل الناس. فكل عراقي يعرف ان هناك ثلاث محافظات في اقليم كردستان لا تؤمن بالفدرالية، فقط، بل وتتمتع بها وتطبقها على أرض الواقع، مما يجعل مفردة "جميع" غير صحيحة. ثم لو كانت جميع المحافظات ترفض الفدرالية، فكيف حاز الدستور على اغلبية موافقة، وهو الذي اقر بان العراق دولة نظامها اتحادي (فدرالي)؟ وهنا ان كان رئيس الوزراء صادقا فهذا يعني ان نتائج الاستفتاء على الدستور كانت مزورة. ويكون كل من اتى لمجلس النواب ولكرسي الحكم عن طريق دستور مطعون بشرعيته (باطل). اكرر، هذا كله على فرض ان رئيس الوزراء صدق بكلامه.اما اذا كان الدستور شرعيا، واني اراه كذلك، فنذكر رئيس الوزراء بانه اقسم على الحفاظ على النظام الديمقراطي الفيدرالي. الا ان كان اداؤه للقسم اتى من دون قناعة او من باب "التقية" او من باب الحفاظ على مصدر الرزق والامتيازات والجاه، وهذا هو الفساد الكبير بعينه. اليمين الدستورية ليست التزاما دينيا ولا اخلاقيا فقط، كما قد يتصور البعض، بل هي التزام قانوني يعرض من لا يلتزم به، قلبا وقالبا، نفسه الى تهمة الخيانة العظمى ويحال الى المحاكم الجنائية.على من يتحدث عن امر مصيري يخص مستقبل العراق وحاضره، ان يتأكد من انه يعرف ما يتحدث عنه أو يصمت. وذلك خير له ولنا.
سلاما ياعراق : قل أو لا تقل
نشر في: 31 أكتوبر, 2011: 09:07 م