TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلام محبة: تجربتي اليابانية

كلام محبة: تجربتي اليابانية

نشر في: 31 أكتوبر, 2011: 09:15 م

 أحمد الصرافقضيت جزءا من الصيف الماضي مع أصدقاء يابانيين، وكانت تجربة غريبة جدا، فهذا الشعب الذي سبق وأن اختار العزلة عن العالم لقرون طويلة، قبل أن ينفتح مع بداية القرن الماضي، يعتمد كليا على نفسه، بخلاف شعوب دولنا النفطية تماما، فاليابان لا تمتلك أية موارد، فلا فحم ولا نفط ولا حديد ولا خامات مهمة، وأرضها عبارة عن 3000 جزيرة متباعدة، وسبق أن دمرت أجزاء كبيرة منها في الحرب الثانية، كما ضربتها، ولا تزال، مئات الزلازل المدمرة، ومع هذا ما زالت اليابان الثانية عالميا في قوتها الاقتصادية بعد أميركا،
ولا يوجد بها أمي واحد، ففيها الإنسان هو أساس الثروة! ولو وضعنا جانبا تاريخ اليابان الاستعماري المشين، والذي استطاعت التخلص من آثاره وآثامه تماما مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فإننا نجد شعبا جديرا حقا بالاحترام. فبالرغم من أنهم لم يشتهروا بتديّنهم، بشكل عام، فلا علاقة مثلا للدين بأهم طقوسهم وهي الزواج، مقارنة بالأميركيين الأكثر تدينا في العالم الغربي، إلا أن تصرفاتهم الراقية وأمانتهم أمر لا يمكن مقارنته بأي شعب آخر... تقريبا! فأثناء الزلزال والتسونامي الذي ضرب أجزاء من اليابان، واجبر مئات الآلاف على ترك كل شيء وراءهم، شاهد العالم على شاشات التلفزيون ما ابهره، فلا حالات سلب ونهب للمتاجر والبيوت، بعكس ما حصل في مدن غربية عدة، وبالذات في مدن أمريكا الكبرى، وعاصمة التدين في العالم الغربي، دع عنك عالمنا بالطبع!! وقد حدث ذلك التصرف بتلقائية ونتيجة لطريقة تربية محددة، وليس خوفا من عقاب سماوي.وقد تعلمت من أصدقائي اليابانيين جهلهم "بفن" الكذب، وخاصة الذي نسميه الأبيض. كما أن الياباني لا يعرف القسم أو الحلف بأغلظ الأيمان وخاصة لإقناع الآخر بصحة ما يقول. وحتى في المحكمة فإن المتهم أو الشهود لا يطلب منه غير قول: "أقسم بأن أقول الحقيقة، وأن اتبع ضميري، دون خداع أو كذب"!! ولا شيء غير ذلك فلا كتاب مقدس يضع يده عليه وينطق بالقسم ولا أي شيء من هذا القبيل. ولفت أصدقائي نظري إلى حقيقة أن اللغة اليابانية تفتقد لمفردات الشتم والسب، المنتشرة في لغات المجتمعات الأخرى. وعندما يغضب الياباني فإن ما يتلفظ به عادة يعتبر "غشمرة" مقارنة بشتائمنا. ويعود سبب هذا لأدبهم الجم الناتج عن تربية مدرسية ومنزلية صارمة تحث الطفل على التزام الصمت والاستماع إلى من هو أكبر منه، وقد أثر ذلك سلبا على شخصية الياباني بشكل عام، فالقيادات السياسية والإدارية لا تمتلك، كما في الغرب، ملكة مواجهة الآخرين والنظر بأعينهم وإلقاء الخطب الرنانة، فالأدب أو الخجل يمنعهم من ذلك. ولو نظرنا لنسبة تواجد اليابانيين في المناصب الدولية المهمة لوجدنا أن عددهم لا يتناسب مع حجمهم الاقتصادي ومساهماتهم الدولية!ونختم ذلك بأن نقول بأن بإمكان أولئك الذين أدمنوا الدعاء على الآخرين باليتم والتشرد والموت، الاستمرار في ذلك، فلا مجال لإقناعهم بعدم سلامة مثل هذه الأدعية، ولكن أليس بإمكان هؤلاء في الوقت نفسه تعلم ولو بعض الشيء من هدوء اليابانيين واحترامهم وصبرهم وأدبهم وعفة يدهم ولسانهم، واعتيادهم على قول الصدق؟ لست أدري! كاتب كويتي، والمقال ينشر بالتزامن مع "القبس" الكويتية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram