الكتاب – كيف خسرنا معركة كسب قلوب العراقيين؟ مطـَّـلع في وزارة الخارجية الأميركية يبحث عن الشيء الوحيد الذي لم يرد أحد في العراق أن يعترف به وهو الهزيمة. المؤلف: بيتر فان بيرن ترجمة: هاجر العاني بيتر فان بيرن ليس كاتباً وهو يعترف بهذا الأمر من بداية المذكرات (أضمرنا الخير: كيف ساعدتُ على خسارة المعركة من اجل قلوب الشعب العراقي وعقولهم)، وهو رجل لـمـّـاح ذو حس ودعابة متميزة كان طعنة مع آلاف الأميركيين الآخرين في لحظة تاريخية وهي الجهد الأميركي في العراق،
وهو لا ينوي أن يكتب المجلد الدقيق عن ذلك الجهد ولا حتى أن يقدم نصيحة معينة، وبدلاً من ذلك ينوي أن يقدم لجيل من العلماء وصنــّـاع السياسات المستقبليين "المادة الخام للإخفاق" وبذلك ينال فرصة الإدلاء بوجهة نظره للأمر الوحيد الذي لم يرد أحد في العراق أن يعترف به، ألا وهو الهزيمة. ويكتب فان بيرن من منظور رجل يحاول تنفيذ سلسلة دائمة التغير من الأوامر وربما كان ذلك من أصعب الكتب كتابة ً، وقبل بغداد كان مسؤول خدمات مهنية مجنـَّــد " عند الجانب الحميد من الإمبراطورية" في مساعدة الأميركيين على التجوال غير المتوقع في الخارج، وفي الوقت الذي وصل فيه إلى بغداد كان قد نال أوسمة من وزارة الخارجية جزاء عمله عقب زلزال في اليابان و تسونامي في تايلاند، فرد الفعل على الأزمات لم يكن امراً جديداً عليه. ولكن ما يحدث في بغداد جديد – بالنسبة لفان بيرن وبالنسبة للبلاد- فعندما يحط في المنطقة يرغب بان يـُـسكـِـره الخطر والغرابة ونـُـبل الغاية. وهو يقول عن منطقة الانتظار في الكويت "كنت أرغب بان يبدو الجو مكهرِباً وأن يسألني الناس عمـَّـن أكون وعن سبب وجودي هناك، الا ان الجو كان جافاً ولم يهتم أحد بوجود الآخرين"، وعندما يحط أخيراً في بغداد يخطو على طريق اسفلتية ويستنشق نشقة كبيرة من وقود الطائرات النفاثة "محاولاً الحصول على لحظة مهمة". وقد كان لـينتهي منبهراً بدلاً من ذلك بتفاهة الأمر كله، وقد استنزف العراق منه أي تصور بأن شخصاً واحداً يستطيع أن يـُـحدِث فرقاً ملحوظاً لاسيما في مستنقع البيروقراطية التي حكمت الجهود الأميركية اليومية هناك، وكان فان بيرن يقود فريق إعادة بناء إقليمي وهو هجين مدني- عسكري مكلف بقيادة الحكومة المحلية والهياكل الأخرى نحو الاستقلال، وحينما يبدأ بطرح أسئلة المتابعة عن المشاريع الجديدة والقديمة يواجه مقاومة من فريقه وصمتاً باسماً من بعض شركاء العمل العراقيين. وفي نهاية الأمر يدرك أن ليس من أحد يثمن بناء الأمة في العراق من جانب سواء يتم بناء أمة فعلاً أم لا، وقد عرضت الحكومة الأميركية أولوياتها ليس بالإشارة الى التغيير الحقيقي على ارض الواقع وإنما لتنظيم البنود في الميزانية، وهو يكتب " لقد كنا نقيس تأثير مشاريعنا بأثرها علينا وليس أثرها على العراقيين"، وفي الوقت عينه كان يشاهد مشروعاً بعد مشروع يتلكأ ويتلاشى ويكون أثرا ورقيا أو فرصة تصويرية هما الدليل الوحيد على طبقة المعجنات تلك الدائمة طوال النهار للأرامل، وهو يكتب "لو كان الذيوع هو الديمقراطية لـَـبـَـدأ هذا المكان كأثينا سحيقة القدم". ويركز الكثير من كتاب فان بيرن على التبديد الشديد للموارد المالية والعواقب غير المقصودة التي قد نجحت، وعلى أية حال كان سيكون من الخطأً اعتبار كتابه عرضا تاريخيا زمنيا للأعمال التافهة، وبدلاً من ذلك فـإنه [الكتاب] عن الإخفاق الذي ينتج حتماً عندما تأبى رؤى موجودة مسبقاً أن تتكيف مع الواقع، وهذا الصـِـدام يهيمن على الكتاب وأحياناً يكون في قصص قصيرة كقـِـصـَـر جملة واحدة – مئات كرات القدم التي تم التبرع بها مزينة بأعلام [دول] العالم لا يتم استخدامها لأنها "كانت تتضمن علم السعودية الذي عليه آية قرآنية ولا يمكنك أن تضع قدمك على آية قرآنية"، وتظهر أمثلة أخرى تقريباً إلى مستوى الأمثال كما هو الحال حينما يطالب سفير غير مسمى بزرع العشب في حدائق السفارة في المنطقة الخضراء، ويكتب فان بيرن انه عندما لم تبدأ البذور بالنمو استورد طبقة التربة ذات الجذور من الكويت "وقد أتت بها قافلة مسلحة محمية إلى السفارة، ولم يعترف أي أحد بكلفة استيرادها إلا أنها تقدَّر بمبلغ يتراوح بين 2 و 5 ملايين دولار، لا يهم ما كان يحتاج اليه [يتطلبه] العراق والطبيعة فقد أنفقت كل ما استدعاه الحصول على العشب الأخضر في الصحراء.... لقد كانت قصة رمزية مثالية للحرب بمجملها. وهذه النظرة للتفاصيل ذات المغزى ترافقها رواية فان يبرن الصريحة للقصص هي ما تجعل الكتاب ينجح، وهو يقول أنه كان يستطيع أن يكتشف المقاولين بمجرد النظر إليهم لأنهم كلهم كانوا يرتدون ملابس ذات مفرطة الجيوب، و"إذا ملأتَ كل الجيوب فلن تتمكن من صعود درجات السلم"، ومن شعبية البرامج المنتقاة للأرامل إلى لهاثات الحمولات المثمرة في المنطقة الخضراء يحدد فان بيرن أساليب حربنا – ويطالب بأن نفكر في جوهرها. وفي تلك المسألة يكمن فقر هذا الكتاب، ففان بيرن لا يعري جديداً بل إنه يورِد تقارير من دائرة المساءلة الحكومية ومن دائرة المفتش العام الخاص لإعادة إعمار العراق وكلاهما كان قد عدَّد الإنفاق المسرِف ومخاطر الفس
كيف خسرت أميركا قلوب العراقيين؟
نشر في: 31 أكتوبر, 2011: 09:24 م