علي حسن الفوازيبدو أن الواقع العراقي بكل معطياته وتداعياته بحاجة إلى مواجهات ومكاشفات ساخنة مع النفس ومع الآخرين، ليس بسبب ما تفرضه الوقائع اليومية من استحقاقات وضرورات، وما تدفعه باتجاه إيجاد المعالجات السريعة لصد الأذى عن الناس فقط، بل ينبغي أن يقترن هذا العمل بضرورات أكثـر عمقا وأكثـر مسؤولية، بعضها يتعلق بتنمية الحراك الديمقراطي الوطني، وتبني توجهات هذا الحراك، لأنه الضمانة(الواعية)لمواجهة القوى الظلاميّة، والأفكار التي تحرّض على العنف والكراهية والتكفير، فضلا عن العمل على ضرورة خلق التقاليد الوطنية والقيمية وتأصيل عملية بناء الأسس التي من شأنها أن تحمي وتصون وأن تسهم في صناعة واقع جديد قادر على مواجهة التحديات..
وإزاء تصاعد العمليات الإرهابية في بعض المناطق في الآونة الأخيرة، والتي تحمل رسائل معينة، وما رافقها من تصعيد غير مسبوق بفتح صفحات جديدة لأجندات صراعية بين الفرقاء السياسيين الذين باتوا في موقع(التهديد)والمجاهرة بمواقف لم تكن واردة في الحساب السياسي وفي يوميات المدينة السياسية العراقية.إن ما يحدث يحتاج إلى وقفات سريعة، والى معالجات جادة، والى مراجعة لطبيعة ما يجري، فهل هذا المشهد المفخّم والمفخخ له علاقة بتداعيات الانسحاب الأميركي من العراق؟ وهل هناك أجندات داخلية وخارجية تعمل على تسويق هذا التصعيد لحسابات سياسية مريبة لها علاقة بأزمة الواقع العراقي وما يحيطه من أزمات و(ثورات)غير واضحة المعالم؟ يبدو أن هذه الأسئلة ستكون مفتتحا للتعاطي مع هموم وتصورات عابر(للدستور)العراقي الذي يجب أن يكون قانونا للجميع، وآلية فهم سرائر هذا الدستور وكيفية فتح بعض أبوابه المغلقة، والتي تحتاج إلى زمن سياسي والى مكان سياسي مناسبين، حتى لا يكون فتح الأبواب مطلا على الجحيم.. وأحسب أن مواجهة هذه التحديات التي خرجت إلى العلن في بعض المدن العراقية تفترض وجود(مركّب)من القوى السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية، من اجل أنسنة الحلول وليس تأزيمها، خاصة وان شفرة الأزمة موجودة في الخطاب اليومي للسياسيين، ومحشوة بالكثير من البارود الطائفي القابل للانفجار، والذي لا ينذر بالتقسيم فقط، بل يمكن أن ينذر بحروب داخلية، قد تجد فيها بعض الأجندات العربية والإقليمية فرصتها التاريخية لصناعة الكانتونات التاريخية، ومن جهة أخرى، التمثل لطروحات نائب الرئيس الأميركي الذي بشرّ بهذه الارخبيالات غير المطمئنة، والتي ستضع المنطقة برمتها على حافة البركان.إزاء الحاجة إلى تأمين أشكال عقلانية للمواجهة، نفترض وجود اطمئنانات صديقة، وليس نيراناً صديقة، لان هذه الاطمئنانات ستخفف من حدّة الهيجان الذي بات البعض يراهن به على الشارع، مثلما يراهن به على الطائفة، أو من يراهن به على قوى إقليمية باتت تترسم لها أدوارا جديدة في ظل المتغيرات السياسية في المنطقة..كما أن هذه الاطمئنانات ستعيدنا جميعا إلى طاولة الدستور، والى المكاشفة الصريحة حول ما يجري، وحول إنضاج فاعلية الدولة الجامعة، والدولة العادلة، والدولة الآمنة، لان هذا الإنضاج سيمهد لوجود آليات حقيقية وفاعلة للكشف عن التشوهات التي يريدها البعض أن تظل عالقة بالعملية السياسية لكي تختلط الأدوار، ولكي نكون تحت يافطة التهديد بالفشل والعجز.لذ نحن بحاجة إلى أن نضع أنفسنا أمام مسؤولية كبيرة في فحص كل الملفات التي تتعلق بكل ما يجري!! والنظر إلى(خارطة الأزمة)من زوايا مختلفة، بعيدا عن ردود الفعل والمواقف غير المهنية، وبما يلزم إيجاد المعالجات والحلول وتنظيم خطوط المواجهة، بما فيها خطوط التحالفات، والنظر إلى الجهات الأربع التي تحوّطنا، لان التغافل عن أية جهة، يعني التغافل عن مواجهة خطر قد يحدق بالجميع..ثمة من يقول إن العدو مكشوف، وان الجهود ينبغي أن تنصب على مواجهته بهذه الطريقة أو تلك، لكن الحقيقة تقول أيضا: إن الكثير من هذا العدو غير مكشوف، وقد يكمن في تلافيف مناطقنا الخاصة أو في بعض السياسات المضللة، وبعض الإجراءات غير المسؤولة، وفي طبيعة المعالجات والمواقف التي تحتاج هي الأخرى إلى مراجعات وتقويمات دائمة، فضلا عن أن العدو قد يرتدي أقنعة كثيرة منها ما يتعلق بالفساد والطائفية ومنها ما يتعلق بسوء تدبر الإدارة وصناعة الخطاب السياسي والأمني والاقتصادي والإعلامي، والذي يسهم في تصنيع واقع هشّ ومشوش، قد يكون مصدرا لصنع(أعداء)مضللين، أو أعداء قابلين للتهيج والانفعال مع الخطابات الإعلامية والسياسية التي يدبجها البعض لنوايا وأجندات ومصالح معينة..وفي سبيل تنمية سياسة التمكين، فان العمل على تعزيز فكرة الدولة بكل بنى سياساتها ومؤسساتها، وإبراز هويتها الجامعة في الميادين كافة ، هو الموقف الأكثر حاجة للدعوة حول التفاف الجهد الوطني وتعاضده، والذي يحتاج بالضرورة إلى معاينات وممارسات وإجراءات أكثر عملية ونقدية، ومنها ما يتعلق بنقد الممارسة السياسية والأمنية، وطبيعة بعض الأدوار المشبوهة التي تعمل على إرباك العمل الوطني، فضلا عن نقد اللامهنية التي تشوب عمل بعض المؤسسات، والتي تشوّه عملها، وتضعها عرضة للفساد وضعف فاعليتها في أداء مسؤولياتها الوطنية، كما أن تسليط الضوء على الدور الإعلامي الرسمي وغير الرسمي، بوصفه الوظيفة الأكثر تأثيرا في صناعة الرأي العام، والأكثر تعبيرا عن معطيات الواقع وتحولاته، والتي تتطلب جهدا استثنائيا، وتشريعات وسياسات تعضّد هذا الجهد وتكفله ضمن المسارات الصحيحة، لان تنمية وتصليد الجبهة الداخلية هو خط المواجهة الأكبر للإرهاب الذي بات يقلّب أوراقه كثيرا، فضلا عن أن الوعي بخطورة ما يجري يعني أيضا الارتقاء برفع الجهد الوطني بما فيها الجهد التنموي والأدائ
الواقع العراقي..أسئلة فـي ثقافة المواجهة
نشر في: 1 نوفمبر, 2011: 05:47 م