TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تحت الضغط العالي :ما أبعدكم عن الذهب

تحت الضغط العالي :ما أبعدكم عن الذهب

نشر في: 1 نوفمبر, 2011: 08:33 م

 قيس قاسم العجرش في منطقة نائية من ذي قار كانت تغفو أسفل هور الحمار، ظهر تل "أبو ذهب". الظهور حدث بعد أن انسحب الهور خجولاً من حظه العاثر، تارة تجففه عقيدة السلاطين البعثيين وتارة تتآمر عليه دولة سلاطين آل عثمان أوما بقي منها في إسطنبول. المهم إن الهور كان كريماً وكشف عن تل "أبو ذهب"، مدينة سومرية يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
الكشف جاء بناءً على جهود مجموعة شابة عراقية مئة بالمئة من منقبي الآثار الذين قضوا موسماً تنقيبياً هناك وبأفقر المعدات والإمكانات، لم يكونوا يأكلون خلال أيام "الإيفاد"! الترابي إلا البيض المسلوق وبعض الطماطة والكرفس ويشربون الشاي العراقي الحار.المنقبون المجتهدون كشفوا عن معلومات ستغيّر مجرى تفسير التاريخ، من بين الكشوفات كان موضع نهر قديم يربط بين "أبو ذهب" وبين المدن التي تقع إلى الأسفل أو إلى الأعلى منها. آثار رائعة ستزيد من ثراء هذه الأرض فوق ثرائها لكنه فضح في الوقت ذاته فقر القائمين على هذه الأرض اليوم من أصحاب القرار الذين ورثوا دولة كانت قائمة هنا في عصر فجر السلالات.الموقع اليوم هو واحد من ستين موقعاً آثارياً ينتظر الكشف بسرعة وبدقة وبأمانة وبمحبة عراقية قبل أن يعود  الهور ليغمر هذه الأصقاع وتعود الثروة المعلوماتية لتلتحف بماء الهور حيث كانت مستريحة لأربعة آلاف عام.ومع ذلك كله فميزانية الحكومة اليوم لا تضم بين جنباتها سوى سبعة مليارات دينار وليس دولارا، لجهود حماية الآثار والتنقيب.ستة ملايين دولار هي كل ما رصدته الحكومة في ميزانيتها الانفجارية لكشف كنوز الحضارة التي هي رموز عالمية قبل أن تكون رموزاً محلية. مدن الهور الأثرية لم تكشف أن حكوماتها السومرية كانت ديمقراطية، هذا لم يظهر في الرقم الطينية، لكنها على الأقل كانت حكومات منظّمة تسجّل صادراتها ووارداتها في وقت لم تكن فيه ثمة حدود ولم يكن فيه الفساد الإداري والتهرب الضريبي ليستغرق سوى قيادة قافلة الحمير أو البغال التي تحمل البضائع ليوم إضافي بعيدا عن رجال الشرطة السومريين.تاريخنا يستغيث من إهمال متعمد، وهناك من يتعمد أن ينشر ثقافة العدم وعدم المبالاة كي يركز كل جهوده على شفط السلطة، التي كانت تعني عند السومريين التنظيم أولاً .السومريون الذين تركوا علاماتهم باسقة في تل أبو ذهب كانوا فعلاً رجال دولة، بناة مهرة عبر أبسط الأشياء، أما ورثتهم اليوم الذين ورثونا مع العراق فلا تصلح لهم هذه النعوت خاصة حين ترتبط بالبناء والتنظيم. هؤلاء ليسوا كرجال تل ابوذة قطعاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram