كاظم مرشد السلّوم "هم ليسوا لصوصاً على الإطلاق لكنهم لفرط أمانتهم على الظلام يسرقون المصابيح فقط" استوقفني هذا المقطع الشعري للشاعر الرائع جمال جاسم أمين، واستذكرت ما جرى ويجري للسينما العراقية من تدهور واضح في المستويات كافة وغياب البنى التحتية متمثلة بدُور العرض السينمائي التي مازال الكثير من الناس يستذكرونها بتلك الأمسيات الرائعة التي شهدتها وكذلك عديد الأفلام التي عرضتها، وكنا نتوقع خيراً بعد التغيير الحاصل في 2003 ولكن الأمر أصبح أسوأ بكثير، حيث اختفت العديد من تلك الدور وتحولت إلى دكاكين تجارية
أو محال لبيع الخمور. كل ذلك بسبب من يشيعون ذهنية التحريم، ويعتبرون أن السينما رجس من عمل الشيطان واجتنابه يعني التحريم ، وبذلك لا مجال لفتح أو بناء دار عرض سينمائي سواء في بغداد أو في باقي المحافظات العراقية الأخرى. الأمر الذي أدى إلى ابتعاد وعزوف الكثير ممن أرادوا الاستثمار في هذا الحقل. والأمر بسيط لو اقتصر على هؤلاء فقط ولكن الأدهى والأغرب هو أن من يساهم في تدهور السينما العراقية هم بعض ممن يحسبون أنفسهم على السينما ويسمون أنفسهم بالسينمائيين وربما يحملون ألقاباً علمية، فيقيمون المهرجانات السينمائية، ويبدو أنهم لا يعرفون أن السينما هي فن الضوء ، نعم الضوء الذي أثار دهشة المشاهدين الأوائل فهربوا إلى الشارع خوفاً من أن يدهسهم القطار الظاهر على الشاشة . هذا الخوف أنعكس عليهم ، فسرقوا تلك المصابيح التي تصدر هذا الضوء لحرصهم الكبير على الظلام، فبقي المشاهدون في ظلام دون ضوء يظهر الصورة السينمائية، فقرر الجمهور مغادرة الصالة ، تاركا الظلام لهم ، ذلك الظلام الذي يفرطون في الائتمان عليه فسرقوا المصابيح كي يستمر . وليبقوا هم الوحيدون الجالسون في الظلام يتحسسون ما دخل في جيوبهم من "مصابيح مطفأة".