فريدة النقّاش «ساحرات سالم» هي واحدة من أهم مسرحيات «أرثر ميللر» الذي شكل مجمل عمله المسرحي إضافة مهمة لا للمسرح الأميركي الحديث وحده وإنما للمسرح العالمي ككل باعتباره رائداً من رواد المدرسة الواقعية الثورية التي حفرت لها مجرى خاصاً في النصف الثاني من القرن العشرين، و(ساحرات سالم) هي المسرحية التي يقدمها الآن البيت الفني للمسرح على خشبة مسرح الطليعة من إخراج (جمال ياقوت).
استوحى «أرثر ميللر» نصه الذي نقله إلى العربية «عبدالمنعم حفني» من الوقائع التي جرت في الحقبة المظلمة للمكارثية في خمسينيات القرن العشرين حين طارد النائب «جون مكارثي» عبر اللجنة المسماة باسمه وهي لجنة النشاط المعادي للولايات المتحدة الأميركية عشرات من الكتاب والفنانين واتهمهم باعتناق الشيوعية وخيانة المصالح الأمريكية، فمات منهم من مات وهاجر من هاجر وانتحر من انتحر وتعطل المئات لأن أحدا لم يقبل بتشغيلهم، وتوقفت عشرات الأفلام والمسرحيات والمطبوعات، كما شهدت هذه المرحلة وشايات من كتاب وفنانين ضد بعضهم البعض، وكان «رونالد ريجان» الممثل المغمور الذي أصبح في ما بعد رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية أحد هؤلاء الوشاة، كذلك كان المخرج السينمائي «إيليا كازان» واحدا من أبرزهم وهو ما عرضه للعزلة بعد انحسار الموجة المكارثية وانقشاع الظلام، وكانت هذه العزلة عقابا متأخرا على عمله المشين.والوشاية بالمؤمنين المسيحيين واتهامهم بالتعامل مع الشيطان هي موضوع هذه المسرحية التي تقع أحداثها في قرية صغيرة في عصر مظلم يمرض فيها الأطفال فتلعب الخرافة ومصالح بعض رجال الدين دورا حاسما في تحديد نوعية المرض باعتباره من أثر السحر الذي تمارسه بعض النساء اللاتي بعن أرواحهن للشيطان.وتنعقد محكمة دينية تستجوب نساء ورجال القرية وتتمحور الأحداث حول الوشاية التي قامت بها الخادمة «أبيجيل» «سمر علام» ضد زوجة مخدومها إليزابيث» «رفيق حمدي» وتدعى«أبيجيل» أن السحر الذي مارسته إليزابيث أدى إلى انغراز مسلة صغيرة في بطنها وركبها الشيطان الذي سلطته الزوجة عليها، وحين تداهم المحكمة بيت إليزابيث تجد دمية ومسلة مرشوقة في بطنها وتعتبرها المحكمة أداة السحر والدليل على صحة ما ادعته الخادمة.وتتوالى سلسلة الأكاذيب حول السحر، ويتزايد عدد المتهمين وكلهم فتيات باعتبارهن ساحرات «يعشن بيننا ويقتلن أطفالنا» وذلك بعد أن عثر أحد رجال الدين المذعورين على ابنته وابنة أخته ترقصان في الغابة، وقيل له أنه إذا لم يشهد على وجود السحر فسوف يفقد وظيفته الدينية، وتتصدى امرأة شجاعة مطالبة بالاعتماد على طبيب وليس قسيساً لمعالجة الأطفال المرضى لأن مرض الأطفال لا علاقة له بالسحر.. تلعب دورها «أمينة العربي» ويتباهى رئيس المحكمة الدينية بأنه بتوقيعه أدخل 400 شخص إلى السجن وأصدر اثنين وسبعين حكما بالإعدام في إشارة ضمنية لبشاعة الاستبداد الديني.وفي حين تنتظر «إليزابيث» الحامل الحكم الصادر عليها بالشنق بعد أن تنتهي مدة حملها يأتي إلى المسرح «جون بروكتر» زوجها «رامي الطمباري» ليبرئ زوجته بعد أن قام بإقناع الخادمة الأخرى «ماري وارين» «رشا سامي» أن تشهد أنها كانت كاذبة حين ادعت رؤيتها للشيطان وأن بقية الساحرات يكذبن.ثم يعترف «جون بروكتر» هو نفسه أنه كان على علاقة «بأبيجيل» التي تسعى للانتقام من زوجته لتتزوجه هي، لنجد أنفسنا بصدد شيطان من البشر دون أي حاجة للبحث عن شياطين أخرى.وفي محاولة لإنقاذ نفسه من حبل المشنقة بعد أن اعترف بالزنى يقول «جون» إنه فعلا رأى الشيطان ويحاول أن يحصل على موافقة زوجته على إنقاذ نفسه ولكنه في نهاية المطاف يصمد ويذهب إلى المشنقة بقدميه وقد اختار الدفاع عن الحقيقة فلا شياطين هناك سوى البشر المنافقين الكذابين إنه يرفض أن يبيع روحه.«أقدام إبليس تطن في أذني.. ووجهه القذر يطل أمام عيني.. لتحل على جنسنا لعنة الله.. نحن الجبناء الذين نضعف، وكما ضعفت أنا وكما ضعفتم أنتم.. إذ تعلمون ما في قرارة نفوسكم مقدار ما أنتم فيه من كذب وبهتان.. ضعفنا عن إعلاء كلمة الحق وجبنا عن إظهار ما يعيش فيه الناس من جهل ليلعن الله جنسنا الجبان وليدخلنا جهنم.. فلقد نكستم علم الله ورفعتم شأن عاهرة».إن ما حدث كله هو إذن شأن إنساني ناتج الصراع بين البشر في المجتمع من أجل مصالح متناقضة وكما يقول «أرثر ميللر» «كان هدفي دائما أن أصور الإنسان كمخلوق في المجتمع وهو في الوقت نفسه خالق هذا المجتمع».واستطاع المخرق «جمال ياقوت» مع الرؤية التشكيلية الثاقبة «لصبحي السيد» واستعراضات «عاطف عوض» التعبيرية المحكمة، وموسيقى «إيهاب قنديل» أن يصل برسالة العرض إلى الجمهور خاصة حين منح اللونين الأخضر والأبيض لرجل الدين المست
التكفير فـي (ساحرات سالم)
نشر في: 2 نوفمبر, 2011: 06:19 م