TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق : مـزّة

سلاما ياعراق : مـزّة

نشر في: 2 نوفمبر, 2011: 09:04 م

 هاشم العقابيانتقل الحديث ذات ليلة بالقاهرة، بيني وبين مجموعة من الأصدقاء، فجأة من مشاكل الوضع السياسي بالعراق الى "المزّة" العراقية. ربما كان السبب هو الملل من تكرار ما نتحدث عنه. أو انه الحنين الذي قد يجعل كل غريب عن وطنه يتوقف عند تفاصيل ما كانت تخطر بالبال قبل الغربة.
ولأن اغلبنا قد مر بأكثر من بلد عربي وغير عربي صار كل منا يطرح تجربته مع المزة وفنونها واشكالها. فمن عاش منا  في بيروت يجزم بان اجمل شيء يتذكره بها هو "مزة العرق" ويلفظ القاف همزة كما يفعل اللبنانيون، مشيدا بعدد صحونها وتنوعاتها الكثيرة. أما أنا الذي عشت جل منفاي في بريطانيا فكنت اشدهم حنينا للمزّة لان البريطانيين لا يقدمونها مع المشروبات الروحية ولا يحسبون لها حسابا. كنت حقا قد افتقتدها. لقد عشنا زمنا حلوا وطويلا يوم كانت تقدم لنا اطباق المزة مجانا مع كؤوس الشرب خاصة في شارع ابي نؤاس. كان احدنا لا يحتاج غير ان يدس درهما بجيب "البوي" ليمطره بصحون فاخرة اضافية من "اللبلبي" و "الباجلة". أما اذا رفعنا الدرهم الى مئة فلس فسننعم بصحن من كعوب الخس واشياف طرية من النومي حامض ذي العطر الخاص. بيننا صديق، عاش فترة من منفاه بالشام، يقول انه صار يكره طرواها لانها تذكره بسجن "المزة" الذي سجن له به صديق لاقى شتى انواع التعذيب الى ان قضى نحبه. كان بيننا جليس مصري سألنا باحترام شديد: لا مؤاخذة انتو بتتكلموا عن أيه؟ شرحنا له باننا نتحدث عما يقدم عادة مع المشروبات كجزء من طقوس اعتدنا عليها واحببناها. وضرب له احدنا مثلا بقوله: انا مزتي المفضلة هي اللبلبي أو ما تسمونه انتم حمص؟ رد المصري: ودي هي مٌزتك يا افندم؟ طبعا لفظ المصري الميم بالضم لا بالفتح. وعندما رد صاحبنا بالايجاب ضحك المصري واضاف: والله انا كنت فاكر انكم بتتكلموا عن النساء؟ وكان من حقه ان يظن كذلك.فكلمة "مٌزّة" بالعامية المصرية تعني البنت الحلوة. وفي الاصل كانت تستعمل، عند ابناء المناطق الشعبية، بمعنى الحبيبة. وكان استعمالها مقبولا. أما اليوم فكثير من النساء يرفضنها ويعتبرنها نوعاً من "الحرشة" الوسخة. أما في السابق فكان المصري حين يقول ان فلانة "مٌزّتي" فسيحترمها الآخرون ويمتنعون عن التحرش بها احتراما لقدسية الحب.ذكرتني المزة بجبار الغزي الذي كان جمعها عنده "امزاز" وليس "مزات". ذكرته وكأنه ماثل امامي الآن في بار "سميراميس" بالصالحية وهو ينادي على النادل: "امزاز جيب امزاز" على وزن لحن اغنية: "اعزاز والله عزاز" ليغيظ زامل سعيد فتاح ويمازحه. كان زامل يضحك من كل قلبه. لكنه ينهره احيانا، بنبرة غضب لا تخلو من محبة حقيقية: "خايب ول يالأَعَور". بفتح الهمزة والعين. ولا يرد جبار بغير رشفة كاس سريعة يتبعها بصيحة: "امزاز عدنا امزاز".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram