علــي حســـــين يبدو هذه الايام أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ، مشعلو المعارك الطائفية منتشرون في كل مكان ، كلما خمدت نار أوقدوها ، وكلما نامت فتنة أيقظوها، يمارسون غسيلا لأدمغة الناس البسطاء، يسعون الى بث الفرقة والتطرف بدلا من نشر التسامح والمحبة ، في قضية اقليم صلاح الدين كان التخوين والعمالة هي لغة الحوار بين جميع الأطراف ، الا ان المشكلة الاكبر ان البعض تعامل مع القضية بمنطق الاكثرية والاقلية ،
وهو منطق يأخذنا الى دهاليز العنصرية والشوفينية ، ومادمنا نتحدث عن المواطنة فهذا يعني مساواة وعدالة أمام قانون لا يعرف خانة المذهب او الطائفة او الديانة ، لا فضل لعراقي على عراقي إلا بصدق الانتماء والرغبة في النهوض بهذا البلد، ومن باب التكرار فان مفخخات الإرهاب وأحزمته الناسفة لم تسأل عن الفرق بين مواطن من صلاح الدين وآخر من الناصرية ، ولم تعرف الفرق بين قطرة الدم التي سالت من الموصل وتلك التي نزفت في البصرة ،هذا هو العراق ، لا يمكن تصور وجوده بدون هذه الخلطة الجميلة بين ابناء شعبه ، وأي محاولة للعبث بها تعني أننا مهددون بكارثة ، وأي حديث عن تهميش مكون لصالح آخر يحمل خطر انفجار لا تحمد عقباه. لقد قيل الكثير عن قضية الاقاليم لكن ما قيل عن اقليم صلاح الدين من قبل رئيس الوزراء يدعو للأسى والاستغراب ، افهم ان يعترض رئيس الوزراء على فكرة اقامة الاقاليم وهذا من حقه رغم ان هذا الاعتراض لا يتماشى مع نصوص الدستور ، وأفهم ان يحاول المالكي تقديم وجهة نظر مخالفه في هذه القضية ، ولكن الذي لا افهمه ان يتهم اهالي صلاح الدين جميعا بانهم يوفرون حاضنة للإرهاب وان إقليمهم طائفي ، ليخرج بعده احد المقربين عزت الشابندر فيزيد من نار الفرقة حين يقول : " ان دعاة فيدرالية البصرة لم يعتمدوا الطائفية كدعاة إقليم صلاح الدين، " طبعا انا متأكد بأن الشابندر لا يدافع عن حق أهل البصرة ولكنها جزء من لعبة اشعال الفتنة الطائفية التي يجيد ممارستها البعض من ساستنا ، ولعل الشابندر يدرك جيدا ان مطالب اهالي البصرة وصلاح الدين والانبار ونينوى وغيرها من مدن العراق لم تكن لولا التهميش الذي يعيشه ابناء هذه المدن وسوء الخدمات والفساد الذي ينهب ميزانية العراق ويذهب الى جيوب المسؤولين بدلا من ان يذهب الى مستحقيه. للأسف التصريحات التي أطلقت تكشف إلى أي حد تعطلت لغة الكلام المنطقي ، وأوصدت قنوات الحوار، واننا دخلنا في مراحل اتباع سياسة الاقتحام الخشن والضرب في سويداء القلب ، حين يصر البعض على ان يتعامل مع صلاح الدين على انها مدينة لصدام فقط وحاضنة للارهاب وينسى ان هذه المدينة مثل كل مدن العراق انجبت خيرة مفكري البلد فمن منا له الحق ان يتنكر لاسماء مثل محمود العبطة وعبد القادر البراك وجميل نصيف التكريتي وسامي عبد الحميد وحسام الالوسي وكمال السامرائي وعبد العزيز الدوري وعبد الرحمن التكريتي الرجل الذي أفنى حياته في جمع تراث بغداد ، هذه الاسماء وغيرها كثير لا يمكن ان نأخذها بجريرة صدام وعصابته ولا بحزب البعث وجرائمة والا كنا حاسبنا اهلنا في ذي قار لان مدينتهم انجبت مؤسس حزب البعث في العراق فؤاد الركابي. للاسف المالكي وبعض مقربيه يرتكبون كل الاخطاء ويمارسون الفشل على اوسع نطاق في شتى المجالات ، لكنهم يلصقون اخفاقاتهم وعجزهم بالاخرين ، فيحملونهم المسؤولية عن تراجع حالة الاقتصاد وغياب الأمن، ويعتبرونهم المسؤولين عن كل المشاكل، وكلما تحدث أحد عن إصلاح سياسي حقيقي وطالب بمحاسبة الفاسدين وتوفير الخدمات ، سارع البعض باستدعاء كوابيس صدام ، وفزاعة البعث. استطيع جدا ان افهم لجوء بعض ا صغار الساسة للغة التخوين والاقصاء ، لكن كيف يمكن أن اتقبلها من رئيس وزراء المفروض انه يمثل كل العراقيين. مرة أخرى وبغض النظر عن النوايا والحقوق فإن البعض من سياسيينا يسيئون لأنفسهم وللوطن وكادوا ــ وما يزالون ــ يتسببون في كارثة لكل البلاد ، وفي فتح الأبواب أمام الجميع للإيمان فقط بلغة القوة والتخوين واقصاء الاخر والحصول على الحق حتى لو كان على حساب كل العراق.
العمود الثامن :المالكي وعقدة صلاح الدين
نشر في: 4 نوفمبر, 2011: 10:56 م