حسين علي الحمدانيمن الصعب جداً أن نجد البعض يعيد إحياء مشاريع قديمة تم رفضها في حينها، والنظر إليها على أنها ستجعل من العراق كانتونات متعددة وفق مسميات طائفية وعرقية ومذهبية ليس لشيء إلا لتحقيق نوازع بعيدة جداً عن طموحات الشعب العراقي.ما أثير مؤخراً عن إقليم صلاح الدين، لم يتوقف عنده البعض لمعرفة أسبابه ودوافعه، ولم يفكر المسؤولون في مجلس محافظة صلاح الدين بخطورة هذه الخطوة التي يُراد من خلالها التعبير عن مخاوف تنتاب البعض وتجعلهم يعبرون عنها بشكل خطير جداً.
ولكن ما أثار الأسئلة أكثر هو التوقيت،هذا التوقيت الذي تزامن مع حدثين،الأول هو اقتراب الانسحاب الأميركي من العراق، والثاني اجتثاث عدد من التدريسيين والموظفين في جامعة صلاح الدين على خلفية قانون المساءلة والعدالة الذي تتحفظ الكثير من القوى السياسية عليه.وعلينا هنا الربط بين الانسحاب والاجتثاث وإعلان الإقليم، الانسحاب بحد ذاته سيعيد التوازنات السياسية في العراق وسيعيد ترتيب التحالفات أيضاً وسيغير من الخطاب الإعلامي للجميع وفق المتغيرات الجيوسياسية التي ستحصل جراء هذا الانسحاب.وبالـتأكيد فإن الاحتلال الأميركي أوجد معادلة سياسية في البلد، معادلة أحياناً كثيرة كانت مرفوضة واعتبرها البعض أجندة تنفذ بأدوات عراقية، وأوجد أيضا ما يمكن تسميتهم بأمراء طوائف، وتعامل الاحتلال الأميركي مع القوى السياسية العراقية وفق هوياتها الثانوية وجردها بشكل أو بآخر من هويتها الوطنية، فوجدنا من يمثل السُنة ومن يمثل الشيعة، عناوين ابتدعوها ليكونوا في صدارة المشهدين السياسي والإعلامي على مدى السنوات الماضية،لا نكتم كان هنالك صراع بين هؤلاء الأمراء من كلتا الطائفتين، صراع أشبه ما يكون بالسعي لنيل رضا الحَكَم الأميركي، الجميع أنطلق من هويته الفرعية، وتناسوا الهوية الجامعة لكل الهويات، البعض كان يجد في السفارة الأمريكية والسفير ملاذاً يستنجد به كلما اقتضت الضرورة ذلك، وبالتالي فإن التدخل الأميركي في الشأن العراقي كان مرغوباً به بشكل أو بآخر من قبل أطراف عديدة ، بل إن بعض هذه القوى كان يسعى دائماً لهذا التدخل ويجد فيه ما يلبي طموحاته.وهذا ما جعل النخب السياسية العراقية تهمل حلقة مهمة من حلقات البناء المؤسساتي للدولة العراقية والذي يتمثل بخلق مناخ مناسب بين القوى المتناقضة في ما بينها بما يؤمن بناء جسور ثقة متينة في السنوات الماضية، تحسباً لنهاية التدخل الأميركي في يوما ما ، ولكنها على ما يبدو كانت على ثقة تامة بأن الوجود الأميركي مستمر لما لا نهاية، وهذا خطأ كبير ارتكبته بعض القوى السياسية ولم تكن تمتلك بالأساس مشروعا وطنيا يتناغم وطموحات الكثير من أبناء الشعب العراقي. لكن بدل ذلك وجدنا الأحزاب والقوى السياسية العراقية بعد عام 2005 جرت الشارع العراقي لحرب أهلية راح ضحيتها الآلاف من الشعب العراقي على خلفية طائفية، ونجحت القوى السياسية في نصب فخاخ الطائفية إن لم تكن قد رسختها في البلد وحققت نجاحات كل في طائفته في انتخابات عام 2010، مما كرس مفهوم الطائفة على حساب الدولة التي بدأت أكثر ضعفاً من قبل، وهذا نابع من أن الكثير من هذه القوى كان مشروعها ليس بناء دولة جامعة للمكونات بقدر ما كان مشروعا يختصر الدولة في قومية معينة وطائفة معينة، ومن ينظر لمخرجات العملية الديمقراطية في انتخابات عام 2010 سيكتشف الخارطة التي سعت القوى السياسية لتكوينها كل في منطقته، وكأنها بدأت متفقة على أشياء عديدة أولها تقاسم العراق.هنا مع قُرب مواعيد الانسحاب الأميركي ما الذي يجري؟ هل تحولت هواجس عدم الثقة إلى مخاوف حقيقية؟ وماذا تريد القوى السياسية العراقية من الشعب؟ بالتأكيد هنالك أكثر من سيناريو تسعى إليه بعض القوى السياسية،السيناريو الأول يتمثل بجر البلد لحرب أهلية ثانية بذات الأدوات والآليات القديمة، وهذا من الصعب أن يحدث لأسباب عديدة أولها بأن النخب السياسية الموجودة حاليا في الشارع العراقي ليست محل ثقة الشعب وغير مستجاب لها ولدعواتها مهما كانت أسبابها وتوجهاتها من جهة، ومن جهة ثانية،الشعب العراقي لا يريد تقديم قرابين جديدة لكي يصل من خلالها هذا وذاك الى منصب يسعون إليه وكراسٍ ينحتون أرجلها بدماء العراقيين .الجانب الثاني يتمثل بأن الكثير من النخب السياسية هذه باتت مكشوفة وتصنع نهايتها بنفسها مع نهاية التواجد الأميركي في العراق، وعليها أن تدرك جيداً بأن وجودها كان مرتبطاً بالوجود الأميركي وعليها الآن أن تعيد قراءة الواقع العراقي الجديد بعد حذف أمريكا من المشهد والتصرف وفق هذا المنظور،فإن عجزت هذه القوى عن إدراك هذا فعليها الصمت وعدم صناعة حدث يديم تواجدها على حساب أرواح العراقيين ومستقبلهم.السيناريو الآخر وهو في المتناول ويتمثل بدفع عدد من المحافظات لأن تشكل إقليم أو مجموعة أقاليم ومحاولة إحياء مشروع بايدن بتقسيم العراق لثلاث دول كردية وسُنية وشيعية طائفياً، وشمال ووسط وجنوب جغرافياً.هذا المشروع بحد ذاته رفضته القوى السُنية والشيعية معاً ومازالت ترفضه كما رفضته القوى الإقليمية، وفي مقدمتها الدول العربية الساعية لعراق موحد ،لكن المشكلة تكمن بأن من جعلتهم أميركا أمراء طوائف يتحدثون الآن باسم السُنة واسم الشيعة ويحاولون فرض ما رفضوه بشتى الطرق، متناسين بأن الشعب العراقي لا يتعامل الآن بعقلية 2006 وما تلاها ، بقدر ما أنه يريد أن يكتشف نفسه من جديد في العراق وليس في أقاليم
هل نجح مشروع بايدن؟
نشر في: 11 نوفمبر, 2011: 07:21 م