شاكر الانباريالأوضاع في البلد ليست سيئة، مقارنة مع سنوات الحرب شبه الأهلية، والميليشيات، والتكفيريين، والقاعدة، وبقايا البعث. خرجنا من ذلك الجحيم بخسائر معقولة، نحن الذين عشنا أربعين سنة في جمهورية الرعب. أوضاع ليست سيئة اذ يمكن للفرد، على الأقل، أن يسهر حتى العاشرة ليلا، دون أن يقلق على حياته.
وكذلك ودعنا الحواجز الوهمية، والقتل على الهوية في المناطق المختلطة، او الصافية مذهبيا وعرقيا. فوق ذلك انتظام رواتبنا، وتوفر حاجاتنا الحياتية، وفتح الشوارع في معظم المدن، وتوفر البنزين، كل ذلك مقارنة مع سنوات ألفين وستة، وسبعة، وثمانية، وبعض من ألفين وتسعة. مقارنة مع تلك السنوات، نحن في أفضل حالاتنا، خاصة بوجود حكومة، مهما تكن فهي حكومة ذات وزارات وهيئات مستقلة وجيش وطني، ونمتلك برلمانا وسلطة قضائية ورئاسة جمهورية، أي كل ما يرسخ فينا القناعة أننا دولة. وعما قريب ستنسحب الجيوش التي جثمت فوق رؤوسنا أكثر من ثماني سنوات، لكي نصبح أحرارا في الحفاظ على سمائنا، ومائنا، وأرضنا. كل هذا صحيح ومقنع. لكن ذلك كله صار من الماضي، والماضي الذي عشناه ظل لطخة معيبة في تاريخنا، وتجاوزه سيكون مطلبا من الجميع. على هذا لا يمكن لنا أن نظل أسيري ذلك الماضي المعقد، الهش، الدنيء في بعض جوانبه. الماضي الذي لا يتذكره الفرد العاقل، والكريم، والنبيل، بفخر. ذات يوم سقطنا الى حضيض الطائفية، والعنصرية، والتطرف، والتكفير، والشك بعضنا بالبعض، كما لو كنا وحوشا تتقاتل على غنيمة. والغنيمة تلك كانت ارثنا الحضاري، وتاريخنا الممتد منذ السومريين وحتى ألفين وثلاثة. اي مثال نريد إذن؟ الماضي، الحاضر، ما يحيطنا من اقطاعات متخلفة تسمى دولا، ام الدول المثال، التي ودعت خرافات وجودها منذ عقود وعقود؟ نريد مثالا بالتأكيد نجعله ضوءا في نهاية نفقنا. نريد كهرباء لا تنقطع على الإطلاق، اليس هذا ما يحدث في المانيا والسويد وسويسرا وغيرها من البلدان؟ ونريد قضاء لا يستطيع رئيس الوزراء، او وزير العدل، أن يحرف مساره تجاه المجرمين والمختلسين والمزورين. ونريد شوارع نظيفة، مبلطة، وحدائق نقضي فيها سويعات مع أطفالنا بمتعة وسعادة. ونريد جامعات حضارية متفتحة، وتنتمي إلى العالم المعاصر، ومسرحا لا يغلق أبوابه في الساعة السابعة مساء، وسينما تظل ساهرة حتى منتصف الليل، وحافلات لا تنقطع حتى الفجر، وقطارات تربط بين المحافظات، وطائرات تعبر بنا القارات، وكافتيريات لا تعزل المرأة عن الرجل. نريد أيضا هوية وطنية نفتخر بها بين شعوب الأرض. هوية حققناها بعملنا، ومبادراتنا الرسمية والشعبية، لا بسلاحنا الجاهز للقتل. ونريد مواطنا يعتز بعراقيته، لا يطمح إلى مغادرة بلده عند أية فرصة سانحة. المقارنة بين ما نحن عليه الآن، وما نحلم به، لا ينبغي أن تتم مع ماض مخجل، وفج، وبائس، كذلك الماضي الذي قادونا إليه. بل قادتنا إليه ثلة من المتعصبين، والطائفيين، والموتورين، والجهلة، والثرثارين، ومزوري الشهادات، والمتصيدين في الماء العكر. إذا ما تمت المقارنة فيجب أن نقارن بلدنا ببلدان أكثر تطورا، وهذا ما تخشى منه الثلة المتحكمة بمصائرنا، اذ تنكشف لدى الجميع مدى ما نحن عليه من تخلف، وحضيض حضاري. حضيض حضاري ينبغي ان لا نقارنه بسنوات سابقة كانت أكثر حضيضية، وتعاسة، مما نعيشه الآن.
كلمات عارية: اصطياد بالماء العكر
نشر في: 11 نوفمبر, 2011: 07:50 م