هاشم العقابي من بين أهم ما يميز الحاكم الفرد عن غيره هو طريقة فهمه للدستور. فهناك حاكم يفصّل الدستور حسب مقاسات مزاجه ونوازعه واهدافه الطغيانية. وآخر يضرب بالدستور عرض الحائط ولا يتردد في تجميده حتى لا يخضع لشيء يحد من سلطاته وميله نحو الاستفراد أو الاستبداد.
ونحن في العراق حين انتخبنا نوابنا، الذين من بينهم اختير رئيس الوزراء، انتخبناهم على اساس ان يطبقوا الدستور الذي صوتنا عليه. بتعبير آخر صوتنا لهم وعدنا لبيوتنا تاركين الدستور سيدا عليهم يضمن لنا حقوقنا ويحدد واجباتهم ويحمينا من عودة الدكتاتورية. واي تجاوز على هذا "السيد" يعد تجاوزا على ارادتنا وضربا بعرض الحائط لاصواتنا. ومهما امتلكت الرئاسات الثلاث من صلاحيات وميزات واسماء والقاب، الا انها لا يحق لها التجاوز على الدستور أو تعديل فقراته أو تجميده الا بموافقتنا. واي تفكير أو حديث عن تجميد الدستور، من قبل اي سياسي، تحت اي ذريعة وبأي لغة، ما هو الا تعبير عن ميله أو "حنينه" الى الدكتاتورية والاستبداد. وحتى ان جاءت فكرة تجميد الدستور كزلة لسان، فتبقى، بحسب جدنا النفساني سيجموند فرويد، ليست "زلة" بريئة بل نزوة لا شعورية فلتت من السيطرة. أو انها بالون اختبار خطير اراد منه صاحبه ان يختبر ردة فعل الشعب والسياسيين معا. لم اسمع احدا من السياسيين، خاصة الذين في السلطة، نادى بتجميد الدستور أو الغائه الا من قبل السيد نوري المالكي في حديثه الأخير بمحافظة كربلاء. وكل ما نسمعه من قبل كان مجرد اعتراضات وانتقادات تعد مقبولة لان الدستور ليس مقدسا ولا هو بالمثالي. لكن تجميد الدستور شيء وانتقاده شيء آخر. ومقايضة تجميد الدستور بالتوافقات السياسية، ان حصلت، كما أقترح المالكي، فهذا يعني ان البلد سيسير على عماه. وان الحاكم الذي يحكم شعبا من غير دستور فانه بلا ادنى شك سيصبح دكتاتورا مطلقا لا شيء يردعه أو يمنعه من الإقدام على اتخاذ اي قرار. هذا يعني ان الشعب العراقي لا يبقى لديه سوى ان يغني لحاكمه كما غنى سعدي الحلي لصاحبه: "انت ومروتك".لا رئيس الوزراء، ولا اي سياسي يحق لهم التفكير بتجميد الدستور. الشعب وحده يمتلك ذلك الحق وبدون منازع. غريب ان تاتي ردود فعل السياسيين باهتة وباردة تجاه هكذا نوع من التفكير. فلم نسمع غير تصريح من هذا النائب أو ذاك يستغرب الفكرة. والأغرب ان الشعب هو الآخر تلقى الامر ببرود ايضا. أما الاغرب والاعجب من ذلك كله، فهو ان السيد المالكي الذي غضب لحد اصدار امر القاء القبض على احد النواب لانه اتهمه بميله للدكتاتورية، صار يعبر عن ميله بوضوح وصفاء من خلال اقتراحه تجميد الدستور. وكل حاكم يجمد الدستور يعترف بانه حاكم بامره حتى وان انكر أو استنكر هذا الوصف.
سلاما ياعراق :اعتراف
نشر في: 11 نوفمبر, 2011: 09:27 م