عامر القيسيينكشف لنا المشهد العراقي عن صراع من نوع جديد غير قائم هذه المرّة على توترات طائفية ولا اختلافات حزبية ، انه صراع العشائر على خلفية التحشيد لمواقف سياسية محددة .فقد تولى سياسيونا مهمة تحشيد العشائر دعما لمواقف سياسية هي محط اختلاف وجدل وصراع ، وبذلك تلعب طبقتنا السياسية لعبة ربما تكون من اخطر ما نشهده وان كانت في بداياتها ولم تنكشف بعد ابعادها الخطيرة والمدمرة.
قضية الاقاليم ودستوريتها بدل ان تكون صراعاتها واختلافاتها داخل البرلمان وتحت سقف الدستور في اطار حوار وطني عقلاني هادئ ورصين ، نرى ان القوى السياسية المتصارعة على هذه القضية قد نزعت عباءتها المدنية التي تدعيها وتبشر بها بشعاراتها البراقة والتجأت الى العشائر لدعم موقفها سواء ما يتعلق بالحكومة الاتحادية ممثلة برئيس الوزراء نوري المالكي او بالقوى المنادية بتطبيق بنود الاقاليم الدستورية في المحافظات الاخرى . ربما يستطيع اي طرف ان يكسب هذه المعركة حتى خارج الدستور الذي بشر المالكي بركنه جانبا لصالح التوافقات السياسية . ولكن ماذا بشأن المستقبل ؟ ان خطورة الموقف لا تتأتى من الكسب الحالي ،الا ان امتداداته المستقبلية اكثر خطورة ليس على المشهد السياسي فحسب وانما على المشهد الاجتماعي ، ذلك ان العشائر تشكل اللحمة الاجتماعية الاساسية خصوصا في المحافظات والريف تحديدا . ان اللعب بالنار في قضية يمكن حسمها دستوريا يعبر بكل وضوح عن نوع من انواع الافلاس السياسي والخوض في مغامرة غير محسوبة النتائج مهما بلغت تلك الحسابات من دقة في ضبط ايقاعات هذا النوع من الصراعات .في صلاح الدين هناك عشائر ايدت واخرى عارضت وانحازت الحكومة في تعاملها مع المتظاهرين من النوعين وهو ما كان ينبغي عليها ان تفعله ، لكنها توغلت في انحيازها إلى محافظات الجنوب والمنطقة العربية ايضا ففيها عشائر مؤيدة واخرى رافضة وبدل ان تكون حكومتنا محايدة فانها تنحاز للمواقف التي تتبناها ، وهذا هو الاسفين الذي تدقه الحكومة في اللحمة الاجتماعية بوعي او بدونه فالنتائج هي التي تحكم وليس النوايا ولا يبدو في الافق ما يشير الى ان هناك من يعي خطورة فتح هذا النوع من الصراعات العريضة والدليل ان اللقاءات متواصلة وحاشدة ،سواء من طرف الحكومة او المؤيدين للاقاليم ،لتحشيد العشائر وكسب مواقفها وكاننا في صورة حشد وطني لمواجهة خطر خارجي في الوقت الذي نحن في مواجهة واحدة من تحديات المرحلة التي ما زالت انتقالية بعد مرور ثماني سنوات على انطلاقها !!هل سأل المجيشون للعشائر ما هي نتائج الصدام بين العشائر في صلاح الدين والانبار وميسان وذي قار والبصرة والى اي مدى يمكن ان يمتد لو اندلع برعاية "حكماء" السياسة لدينا ؟!!هذا هو السؤال الاساسي الذي يتوجب ان يجيبوا عليه قبل ان يسدلوا الستار على المشهد المسرحي العراقي بفصل كارثي آخر يتحول فيه حتى الكومبارس الى أبطال !!
كتابة على الحيطان: صراع العشائر برسم السياسيين
نشر في: 12 نوفمبر, 2011: 09:00 م