علي حسينقبل أسبوعين من هذا التاريخ بالتحديد كان السيد رئيس الوزراء يقف منددا بما يجري في مدينة صلاح الدين، رافضا التراجع عن القرارات التي اتخذتها الحكومة فيما يتعلق بالمؤامرة التي أحبطت في مهدها، في ذلك اليوم المشهود ملأ السيد المالكي الفضائيات بالخطب والشعارات، فالدستور من وجهة نظره خاطئ ومقصر، والحكومات المحلية لا يحق لها المطالبة بأكثر ما تجود به الحكومة،
ولم يتورع عن اختيار أصعب الكلمات في توصيف ما يجري في بعض المحافظات، كان رئيس الوزراء ملعلعا وهو يخوض معركته الكلامية المقدسة ضد كل من تسول له نفسه الخروج على قوانين المركز مشيعا في الأجواء طقسا حربيا حتى اعتقد الناس أن المعركة قادمة لا محالة. أمس الأول السيد نوري المالكي نفسه يتحول، ويشمر عن ساعديه ويعلن حربا شاملة ضد كل من يقف في وجه مشاريع محافظة صلاح الدين، ويطالب بالالتزام بالدستور وتنفيذ ما يسمح به حصرا، حتى يخال للمواطن العادي أن السيد رئيس الوزراء اكتشف أن الدستور هو الضامن للجميع، فالخبر الذي بثته الوكالات يقول ان السيد المالكي وخلال استقباله محافظ صلاح الدين وعد بتذليل كافة العقبات بين الحكومة الاتحادية والمحافظة وفق الدستور، وإيقاف كافة الإجراءات التي اتخذت في الفترة الأخيرة، - طبعا على راس هذه الاجراءات اطلاق سراح المعتقلين وإعادة المجتثين - في هذه الاثناء أنا وغيري الملايين لم ننس تصريحين مثيرين أطلقهما اثنان من مقربي رئيس الوزراء. الأول سامي العسكري الذي أكد "توفر الأدلة التي تثبت تورط شخصيات سياسية معروفة في مخطط يسعى لتقويض العملية الديمقراطية والعودة إلى الديكتاتورية"، والثاني النائب حسن السنيد الذي تحدث بلسان وزير الداخلية قائلا: "ان وزارة الداخلية على استعداد لمنح المعترضين على حملة الاعتقالات الأخيرة أرقاما وبإمكان أي نائب تقديم طلب للوزارة لتزوده برقم مذكرة الاعتقال، وباستطاعته مراجعة القضاء للتأكد من ذلك " مستبعدا وجود دوافع سياسية تقف وراء تنفيذ حملة الاعتقالات.اذن هناك مؤامرة موثقة بالصوت والصورة، وهناك أدلة لا تقبل الشك عن تورط سياسيين في زعزعة استقرار البلد، فلماذا إذن هذا التراجع المفاجئ. الناس تتساءل، ما معنى أن يقول المالكي كلاما ثم يقول نقيضه بعد ايام، هذا يعني إن هناك شيئا تغيّر على الأرض وان مجلس محافظة صلاح الدين قد تراجع عن قراراته، لكن الوقائع تقول عكس ذلك ومن يريد أن يتأكد عليه قراءة الخبر الذي نشر أمس والذي يؤكد إن مجلس المحافظة لم يعط وعدا بالتخلي عن فكرة إقامة الإقليم وانه مستمر في إجراءاته.للأسف مشكلة السياسة العراقية طوال السنوات الماضية أنها تدار بـ"نظام الأزمات"، بمعنى أنها غير محكومة بمواقف أو رؤى أو مبادئ راسخة.. ولهذا تأتي علينا أوقات يتحول فيها أهالي البصرة الى مثيرين للفتن وينفذون أجندة خارجية، ثم يستبد الغضب بالحكومة فتدخل في خصومة حادة مع اهالي الأنبار. ولأن كل شيء يدار بالأزمات وافتعال المعارك نجد مجلس محافظة صلاح الدين عدوا ويحرض على الطائفية، وفي أحيان أخرى يتحول إلى شقيق وله حقوق على الحكومة أن تنفذها، هكذا حسب اتجاه الريح. تصريحات السيد المالكي تضعه للأسف في منطقة رمادية ليس لها تضاريس واضحة، وأزعم أن التناقض في التصريحات بهذا الشكل سيزيد المسألة تعقيدا، ولهذا أتمنى على رئيس الوزراء أن يأخذ إجازة من الفضائيات والإعلام والمعارك السياسية وافتعال الأزمات لمدة شهر، فالناس بأمس الحاجة لالتقاط الأنفاس بعيدا عن الصراعات التي تحولت الى فصول كوميدية لا يريد لها البعض ان تنتهي. لقد أشعل السيد المالكي المعارك في كل بيت وشغلت تصريحاته وتصريحات العديد من الساسة الناس في كل مكان، ووجدنا أنفسنا أمام جهات كثيرة، كل جهة تلقي المسؤولية فيما يحدث الآن على جهة أخرى.. فلماذا لا يهدأ الجميع ويتجهون للعمل والإنتاج والتفكير فيما يواجه البلاد من مشاكل وأزمات، لماذا لايجلسون مع بعضهم البعض ليراجعوا معا ما حدث من أخطاء وما ينتظرهم من اخطار.هل يمكن أن يحصل العراقيون على إجازة لمدة شهر يصمت فيها جميع السياسيين من اجل أن نعيد لهذا الوطن أمنه واستقراره، وان يتوقف كل هذا العبث بمقدرات العراق السياسية.
العمود الثامن : إجازة شهر للمالكي
نشر في: 12 نوفمبر, 2011: 10:23 م