محمود النمر لأكثر من خمسة عقود كانت اشتغالاته تختلف عن الآخرين، فهو مخرج ومؤلف وأستاذ أكاديمي ، صاحب جمرات متوقدة في المسرح ،لا يزال يحمل تلك الجمرات بين يديه ،ويلقي بها أسئلة وجود في فضاءات لا متناهية .
*ما الذي يشغل صلاح القصب الآن؟- هناك فضاءات متعددة تملأ ذاكرتي وتشكل التدوين اليومي لمسيرة امتدت إلى أكثر من خمسين عاما، عندما أنظر إلى الوراء أتذكر الطفولة ، أتذكر المكان الذي ولد به صلاح القصب، أرى تلك البيوت وتلك الوجوه التي كانت تشغلني وباستمرار أنظر إليها من خلال نظرة احترام، وتقديس كبير، حيث كان المعلم يشغلني ويشكل مساحة كبيرة، ومازالت تلك المساحة امتدادا لأعضاء وطاقة وتواصل كما كانت تشغلني تلك المساحات الضيّقة لتلك المناطق التي ترعرعنا فيها، سياسيون كبار ورياضيون كبار وفنانون كبار، هؤلاء كانوا يشكلون هوية المحلة، فقط هذه الذاكرة الطينية والبيوت الطينية الواطئة تشكل بالنسبة لي حركة وتواصلاً وربما محطات حزن لأن الماضي كان جميلاً ، الماضي كان متألقاً، الماضي كان عطاء ً ، كان نبيلاً بكل معطياته والماضي استطاع أن يقتحم صعابا ومناطق مرعبة.وأضاف القصب: دخلنا الآن إلى اللحظة، وهذه اللحظة التي أتكلم بها هي مزيج وتداخل لفضاءات كثيرة ، أفكر الآن ماذا سأرى، وهذا ما يشغلني .. المنطقة القادمة.. والفضاء القادم ، هل سيكون فضاءً متصحراً؟ هل سيكون فضاءً جليدياً ، هل ستتوقف الثقافة، هل سيغيب الشعر هذه القارة العظيمة؟ هل ستغيب الباليه؟ هل ستغيب الكونشرتو والفرق الموسيقية ؟ هل ستغيب الأوبرا، أم هل سنرى شعراء ومحطات ثقافة كبيرة ونرى عالماً روائياً كبيراً، أم ستتصحر الرواية؟ اعتقد أن القادم سيكون موتاً للثقافة وسيكون اندثاراً ،ستشتغل أخرى ، سيكون هناك اهتمام بشكل اكبر بالنظام السياسي العالمي، هذا النظام المتخم، هذه الصراعات الكبيرة مابين العالم إلى أين ستكون؟ على هذا المحور الدولي الكبير، الصراعات الاقتصادية، لن يكون هناك صراع فكري ثقافي ، لن نرى هناك مؤتمرا عالميا يحضره رؤساء العالم أو وزراء الثقافات في العالم، لنناقش أزمة الشعر أو أزمة الفن التشكيلي أو أزمة المثقف في هذا العالم ، اعتقد سيتغير دور المثقف عالميا ، لم نر هناك كتاب رواية جددا كالأميركيين الروائيين الكبار: كماركيز – جميس جويس – دستوفيسكـسي – تولستوي، هذه العصور المزدحمة المتقدمة بالروائيين الكبار ، الآن بدأت تجف هذه القارات، لن يكون هناك - مونيه - ومانيه – وشيزان – وغوييه- وبيكاسو – وسلفادور دالي - والحركة التشكيلية، هناك ظاهرة أجيال، ولكن بدأت هذه الأجيال تشيخ وتغيبها الصراعات العالمية السياسية على مستوى العالم، لم تكن هناك قطع موسيقية جديدة ،مثلما كان هايدن وباخ وموزارت ، إلى أين ستتجه الثقافة هذا سؤال يشغلني كثيراً؟ وأين ستكون ذكرانا نحن؟ وأين ستكون ذاكرة المثقف؟ هل ستتلاشى؟ هل ستستمر ذاكرة السياب وعبد الوهاب البياتي وفائق حسن وجواد سليم؟ هل ستبقى هذه الرموز العملاقة متألقة ستذكرها الأجيال؟ هل مثقفو القارات الخمس ستتغيب ذاكرتهم مستقبلا؟ اعتقد سيتغيب الفكر الثقافي على المستوى العالمي أو ستكون هناك اشتغالات سياسية أكثر مما هي ثقافية وفنية، سينشغل العالم بتوزيع العالم وبتقسيم العالم، وستظهر هناك حروب ومشاكل واضطرابات، اعتقد أن العالم مستقبلا لن يكون سعيداً.*ما هو مشروعك القادم ؟- أنا الآن مشغول، أفكر في عمل مسرحي، هذا العمل المسرحي معي لأكثر من عشرين عاما ، ولكن لحد الآن لم أجد الجهة المنتجة لتنتج هذا العمل، ليتحول من وهم في الذاكرة، من طموح في الذاكرة ،من أمل في الذاكرة ،إلى حقيقة، كي أشاهد هذا الفضاء الذي يشغلني لأكثر من عشرين عاماً وهو – ريتشارد الثالث – لشكسبير ، هل سيتحقق الحلم الذي كان يشغل المخرج الكبير – ارتوف،الذي كان يفكر بنموذج آخر وقارة جديدة للمسرح؟ ،أنا أيضا أفكر بهذا المجال ولكن هناك سدود وهناك عقبات كثيرة تقف أمام هذه الطموحات، هي المادة التي تحول هذا التصور أو هذا الوهم إلى حقيقة .
المخرج صلاح القصب: هناك فضاءات متعددة تملأ ذاكرتي
نشر في: 13 نوفمبر, 2011: 06:47 م