حازم مبيضين ينظر إلى قرار الجامعة العربية بتجميد مشاركة ممثلي النظام السوري في اجتماعاتها وهو ما رفضته دمشق واعتبرته غير قانوني, برغم أنها كانت قد انخرطت في تنفيذ قرار مشابه, اتخذته الجامعة بالأغلبية عام 90 ضد نظام صدام حسين, على أنه تحول خطير في الأزمة السورية المستمرة تصاعداً منذ ثمانية أشهر, وهو قرار يضع طرفي الأزمة أمام خيارات محددة, فالنظام مدعو للانصياع لفكرة الحوار,
أو الاستمرار في الوضع الراهن, والمعارضة, المنقسمة على نفسها والمتعددة التوجهات, مدعوة إما إلى قبول الحوار أو التصعيد الذي بات مدعوماً بقرار الجامعة.المهم أن قرار الجامعة الذي اتخذ بعد قناعة الدول العربية بعدم صدقية دمشق, وهي تتحدث عن مؤامرة خارجية, منح المعارضة فرصة فرض نفسها كطرف سياسي, لا مجال لتجاهله في صنع المستقبل، وهذه بالتأكيد واقعة غير مسبوقة في تاريخ سوريا السياسي طوال نصف القرن الماضي, وهنا فان المنتظر أن تصعد المعارضة احتجاجاتها مع اللجوء إلى عمليات عسكرية, ولو بشكل محدود, لتؤكد شرعية تمثيلها للشارع, على أن من الواجب النظر إلى الانقسامات التي تعصف بصفوف المعارضين, ووصلت إلى حد الاشتباك بالأيدي أمام مبنى الجامعة في القاهرة, وبروز نغمة التخوين بين بعض أطرافها. النظام السوري الذي يواجه ما لم يكن في حسبانه, رفض قرار الجامعة, وبما يعني أنه يتجه إلى مزيد من التصعيد ضد مناوئيه, وبما يعني أيضاً أنه سيواجه بقرارات عربية أكثر حزماً خلال أيام, قد تفضي في نهاية الأمر إلى تدويل الأزمة, مع ما يرافق ذلك من أخطار تتجاوز بمسافات ضوئية ما حصل في ليبيا, لكن الواضح أن أطرافاً كثيرة في المعارضة تفضل هذا الخيار, على أساس أنه ليس هناك أسوأ من استمرار النظام في الحكم, وأن الحل الوحيد هو بإسقاط نظام البعث بالقوة المسلحة حتى لو كانت دولية وليست ذاتيه.الجامعة العربية كطرف لم يعد محايداً, تقول إنها تسعى منذ أربعة أشهر لوقف العنف, غير أن مساعيها لم تثمر, فوجدت نفسها مجبرة على قرار لا تعتبره نهاية لدورها, وهو مرشح لنمو يفضي إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة كمنظمة معنية بحقوق الإنسان وليس في أي إطار آخر, إن لم تتمكن من توفير الحماية للمدنيين, ومع ذلك فهي تأمل بأن تلتزم الحكومة السورية ببنود الخطة العربية لوقف العنف, لتتمكن من مساعدة السوريين نظاماً ومعارضة على الخروج من الأزمة, وفي حين يرى البعض أن القرار يفتح الباب أمام تدخل دولي, ويساعد في عزل سوريا عن محيطها العربي وأن الخطوة المقبلة ستكون مجلس الأمن، فإن آخرين يرون أن القرار رمزي، ويعبر عن عدم رضى الدول العربية عن سير الأحداث في دمشق، ولا يمكن أن تكون له تبعات سياسية قوية.في البعدين الإقليمي والدولي, نرى تقلص حجم التأييد للنظام السوري, وقد بات يقتصر على لبنان وإيران وبعض التنظيمات الفلسطينية, وعلى دعم روسي صيني مشكوك باستمراره في مواجهة أغلبية الدول العربية, وأوروبا والولايات المتحدة التي أعلنت ترحيبها بقرار الجامعة ودعمها له, ويعني ذلك دخول دمشق في عزلة دبلوماسية تتصاعد وتائرها دون أن يكون بمقدور نظام البعث الخروج من الشرنقة بالوسائل التقليدية التي لجأ إليها حتى الآن, والسلطات السورية مدعوة اليوم لمقاربة مختلفة عما كان سائداً منذ شهور, ويقيناً أن اعتداء بعض المتظاهرين على سفارات عربية وأجنبية في دمشق ليس هو الرد الأمثل على قرار الجامعة.
في الحدث :سوريا .. خروج من النفق أم دخول فيه؟
نشر في: 13 نوفمبر, 2011: 08:52 م