علي حسين كنت أعتقد حتى يوم أمس أن حزب البعث بلا جماهيرية، وان غالبية أعضاء هذا الحزب انضموا إليه لمنفعة ما تبدأ من الحصول على وظيفة أو دخول كلية معينة وتنتهي باتقاء شر "أمن صدام"، بل وكنت متيقنا أن حزب البعث بلا عقيدة، ولم تكن لديه مبادئ سياسية بالمعنى المعروف، بل انه في السنوات الأخيرة أصبح حزبا عائليا يضم مجموعة من أقارب "القائد الضرورة" من الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح النظام
والدليل على عدم شعبيته انه انهار وهرب الرفاق يبحثون عن ملاذ بعد إطلاق أول قذيفة اميركية، وانهار الحزب وسقط النظام ولم يجد أحدا يخرج للدفاع عنه، هكذا كنت اؤمن حتى قرأت تصريح موفق الربيعي مستشار الأمن القومي الذي كشف لنا أن حزب البعث منظم واكبر حزب في العراق، ولديه تاريخ وعمق وإمكانات تنظيمية، هكذا اصبح السيد الربيعي مؤرخا لتاريخ الحركة السياسية في العراق ليعلن أن حزب البعث هو الحزب الأكبر في العراق وهو الأشد تنظيما وعمقا في النفوس، كلام يصدقه عاقل؟، هل نختصر تاريخ الحركة السياسية بحزب كان الانتماء إليه يتم بالغصب، وننسى ونتناسى تضحيات العراقيين وأحزابهم التي خاضت نضالا في سبيل التخلص من دكتاتورية صدام، ثم يتحفنا الربيعي بمقولة ستظل خالدة حين يقول: "هناك ممارسات بعثية تمارس من قبل العراقيين علينا أن نقتلعها مثل المركزية القوية ومعاداة الفيدرالية والحزبية الضيقة والاستبداد والعنصرية والطائفية"، ثم ينسى السيد المستشار السابق ما قاله قبل لحظات من إن البعث يكره الفيدرالية فيقول:"البعث يريد الوصول إلى السلطة في العراق عبر تجربة الأقاليم، وإذا ما قام إقليم بالمحافظات الثلاثة –يقصد نينوى والأنبار وصلاح الدين-" سيفوز حزب البعث في الانتخابات ويسيطر على الإقليم، وسيصبح عضو فرقة رئيس وزراء أو رئيس إقليم وأعضاء شعب فيه وزراء، أي إعادة البعث من الشباك بعد إخراجه من الباب. طبعا لم يخبرنا الربيعي ماذا سيكون شكل النظام السياسي في إقليم البصرة أو الناصرية أو ميسان ومن سيسيطر على عقول الناس.. أليس في هذا الحديث استخفاف وتجنٍ على تاريخ هذا الشعب الذي رفض ولا يزال يرفض أفكار البعث ومخططاته، لكن يبدو أن السيد الربيعي مثل حكومتنا التي تريد منا أن نظل تائهين ونتساءل؛ أيهما أخطر على العراق، الحديث عن مؤامرات مزعومة يقودها البطل الأسطوري عزت الدوري؟، أم السيل العارم من المحسوبية السياسية والانتهازية والصراع على المنافع والمناصب وغياب الأمن ونقص الخدمات وتفشي البطالة؟.اليوم بعض الساسة يريدون أن يضعونا أمام خيارين لا ثالث لهما، الاستقرار أم الفوضى، هذا الخيار يطرح في كل أزمة سياسية تواجه قادة العراق، طبعا مع الاشتباك الدائر حول أيهما أفضل للناس، أن نروج لخرافة حزب البعث ونهمل بناء دولة قوية ومستقرة أم نصمم على ملاحقة البعثيين حتى وان كانوا على سطح القمر، سيتهمني البعض بالتجني وإنني اختلق الوقائع والأحداث، ولكن صدقوني هذا ما صرح به الربيعي في حديثة القيم حين قال "سنلاحق البعثيين حتى وان فروا إلى السماء". وكنت أتمنى أن يتلفت الربيعي حوله ليجد أن أعضاء سابقين في حزب البعث هم أعضاء في برلمان اليوم، وان حزب البعث لم يدخل من الشباك لكن فتحت له أبواب الدوائر المهمة وان هناك شخصيات تملأ الهواء اليوم بخطب رنانة عن العراق الجديد والمسيرة الديمقراطية، كانوا حتى ليلة 3/9/2003 يرتدون الزيتوني ويهتفون للقائد الذي سيدحر الأميركان. ولا أدري لماذا لا يتحلى سياسيونا بقليل من الرحمة والشفقة إزاء هذا الشعب المسكين الذي يُطلب منه دوما ان يستمع الى محاضرات يلقيها مؤرخون يعيشون على سطح القمر.
العمود الثامن :المؤرخ موفق الربيعي!
نشر في: 15 نوفمبر, 2011: 10:54 م