TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

نشر في: 16 نوفمبر, 2011: 06:38 م

|  1  |آية الله السيد عمار أبو رغيفالمقدمة:هل تقرأ النصوص وتستخلص دلالاتها اعتباطاً وبالمصادفة المحضة، أم أن القراءات جميعها تتكئ على رؤى أعمق ؟ هل تتحدد معالم النظام اللغوي – أي نظام كان – دون فلسفة في التحليل وعقل في التركيب، مهما اختلفت زوايا رصد النظم اللغوية, ومهما اختلف الاجتهاد في وصفها ؟ هل تأتي قواعد الدلالة بريئة، دون رؤية وجودية وتفسير فلسفي لعقد الدلالة ومسوغ صيرورتها ؟
في الجواب نقول مع كثيرين غيرنا: كلا، ومن ثم سنسافر مع قواعد الدلالة وتفسير النصوص إلى أعماق الرؤى، التي تقف خلف هذا التفسير، والى المسوغات التي اتكأ عليها البحث التحليلي اللغوي، وستعيننا هذه الرحلة على التماس المباشر مع تجربة الباحثين، الذين يسافرون بطبيعة الحال سالكين المسير المعاكس لمسير سفرنا، إذ ينطلقون من هذه الرؤى والمسوغات الفلسفية. ليحدّدوا قواعد الدلالة أو يركنوا إلى عدم التحديد في ظل فضاءاتهم اللغوية، التي اختاروها أو التي كانت قدرهم.فهم النصوص لا يتحدد بمعادلة منطقية، ولم يجدول بجدول رياضي .. ، ومن ثم لا يجوز أن نستهلك جهداً حول نهائية فهم النص والفهم المطلق، فنزيّف مقولةً تتناقض مع ذاتها، إذ النص والدلالة لا تخضع لبرهان بالمعنى المنطقي والرياضي. ونهائية الفهم وخيلاء الفهم المطلق الدائم لدلالات النصوص اللغوية يتطلب أن تخضع النصوص ودلالاتها لبرهان منطقي، يستحيل معه أن تكون الصورة على خلاف مقتضاه ، أي أن يتم استنتاج الدلالة وفهم النص من خلال قياس منطقي تصدق نتائجه بالضرورة ، وهذا هو معنى النهائية والإطلاق في فهم النص، حيث تأباه اللغة بنصوصها ودلالتها وهو غثيان فاسد:(ومما يجب ضبطه في هذا الباب أن كل حكم يجب في العقل وجوباً حتى لا يجوز خلافه، فإضافته إلى دلالة اللغة وجعله مشروطا فيها محال؛ لان اللغة تجري مجرى العلامات والسمات، ولا معنى للعلامة والسمة حتى يحتمل الشيء ما جعلت العلامة دليلاً عليه وخلافه)( ).لكن هذه اللغة التي لا تفهم ولا تستل دلالاتها في إطار الضرورات المنطقية والفلسفية هي ذاتها أداتنا في فهم هذه الضرورات وحدودها، سواء في واقع الفكر والذهن الإنساني أم في واقع الوجود الموضوعي الكائن خلف الذهن (أياً كان مذهبنا في تفسير هذا الواقع)، ببركة لغتنا ونظامها وفضاءاتها، بدوالها ورموزها نصوغ نظرية المنطق ونسطر قواعده، ونتفهم الاستنباط الرياضي الحاسم والنهائي.. إنها اللغة سر المعرفة ولغز من الغاز الوجود ، حسبه بعضهم سر الأسرار ولغز الألغاز!نريد أن نسافر مع هذا السر ما أمكننا السفر، باحثين بجد في ضوء الأسئلة التي يطرحها عصرنا. لكن هاجسنا الأكبر في هذا البحث أن نتعرف على الجهد المتراكم المعزول أو المنكفئ، الذي بذل عبر القرنين الماضيين في حجرات مدارس النجف الأشرف، وما زال جزء كبير منه مطبوعا على الحجر، وجله لا يزال في حجرات هذه المدارس محجوبا عن رؤية جل الباحثين والمهتمين المعاصرين بالنص والتأويل وهرمونتيك الوجود والمعرفة والدلالة.هذا الجهد يمثل غاية في التحليل والعمق، ويتكئ على رؤى بطبيعة الحال، ويحتل مساحة واسعة في المعرفة الدينية على هدي دروس وأبحاث علماء أصول الفقه الإمامي الحديث. أجل إنه جهد جليل مهما كان الموقف من تقييمه، ومهما اختلفت الرؤى حول صدق مقولاته أو جدوى أبحاثه في عملية الاستنباط الفقهي، وهو فريد أيضا فرادة ما توفر عليه أصحابه من حرية في الرأي، وما ورثوه من تراث عقلي تنوعت آفاقه وتعددت مصادره.وبغية أن نخلص بشكل سليم إلى وصف وتأويل وتقويم هذا الجهد علينا أن نستشرف الهرم من قمته، فنبدأ مع بحوث الدلالة (أو ما يطلق عليه مدرسيا مباحث الألفاظ) في علم أصول الفقه، لنقرأ المواقف التي خلص إليها علماء أصول الفقه في تفسير الدلالة، فنستبصر أعمدة وأركان هذا التفسير ونتدرج مع الهرم إلى قواعده وأوتاده، حيث منطلقات التفسير وأدوات الأصوليين ورؤاهم التي رسمت القواعد، فنلقي الضوء على الأوتاد الوجودية والمعرفية وقواعد المنهج، التي شيدّت هرم الدلالة وقراءة النصوص في علم أصول الفقه الحديث .. هكذا سنمضي عموديا في تعاملنا مع موضوع البحث.لكن هناك آفاقا لا يصح إغفالها، وهي من صميم البحث الذي نزمع على ولوجه، فنحن نعرف أن جهود ومعطيات مدرسة النجف الحديثة لم تؤسس على فراغ، فقد تواصلت دون قطيعة تأريخية مع ماضي أبحاث الدلالة، الذي تمثل بأبحاث علماء اللغة من نحاة وبلاغيين، وبأبحاث المتكلمين والحكماء الذين قاربوا هذه الأبحاث، وكانت لهم أراء ونظريات، أثرّت على مسار البحث في علم أصول الفقه قديما وحديثا.اعتقد أن الإبداع المعرفي حيث يكون هناك إبداع يتطلب فضاءً جديداً، يبصر من خلاله المبدعون ما لم يبصره غيرهم ، وهذا ما افهمه من القطيعة المعرفية (الابستمولوجية)، غير أن هذا الفضاء لا يمكن أن يفهم وأنت تقتطعه من تاريخه.لقد أكدت في دراسات سابقة ومنذ عشرين عاما أهمية قراءة تاريخ نمو المعرفة ، ومتابعة حلقات التطور المعرفي ، حيث تتيح لنا هذه القراءة وضع الأفكار في إطارها السليم، والوقوف بوضوح على مسوغاتها ومرتكزاتها وأصولها. ثم هناك أفق آخر، ذلك أن قراءتنا سوف لا تكون ولا يصح أن تكون مطلة من التاريخ، بل لابد من أن تطل على التاريخ وتعاصر أسئلة الراهن وتطل على المستقبل. والمتابعون يعرفون ماذا يعني البحث في الدلالة في ظل أسئلة العصر وإشكاليات مدارس الفك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram