إياد الصالحي لابد في الحياة ان تقاوم ضعفك وتصرّ على صعود اخطر السلالم لتصل الى قمة الانتصار وترضي نفسك كي لا تبقى تحت حوافر الهزيمة. وفق هذا التصور التحفيزي قدم منتخبنا الوطني واحداً من اجمل اشواطه الكروية ليس في تصفيات كأس العالم الحالية فحسب، بل منذ تربعه على عرش آسيا عام 2007 بعد ان هضم دروس الكبوات السابقة واستعاد القمة واذهل كل من راقبه في جولة (عمّان)
التي يمكن وصفها بانها نسخة طبق الاصل من عنفوان الفرح الشعبي الذي اجتاح العراق من شماله الى جنوبه في ملحمة أمم آسيا بعد ان توحد المنتخب مع نفسه مرة اخرى عقب فترة التمزق التي شهدت صفوفه قبل تسنم البرازيلي زيكو مهمة استقراره على الصعيدين النفسي والفني.ان الفورة الهجومية التي رافقت الشوط الثاني في زمن اللقاء الاجمل مع الاشقاء النشامى تستحق ان تدرّس في معاقل الكرة قاطبة، ولن ابالغ في القول ان التحولات الايجابية في خطة الهجوم المتوقع إبان تلقي شباك كاصد كرة اردنية يتيمة في الشوط الاول لم نرَ مثلها حتى في اللقاءات الكبيرة التي تجمع مدارس كروية مهمة في العالم، فكرة القدم وحدها علم يصعب تطبيق مفاهيمه من دون ان يكون هناك تناغم نفسي لتنفيذها وهذا ما حصل بالضبط، فقد طوّع افراد المنتخب تلك المدورة الساحرة وغزوا مرمى عامر شفيع واحتلوا كل شبر في المنطقة الأردنية التي تهاوت فيها عناصر القوة والانضباط والمراقبة بسبب العناد الكبير الذي تملك اللاعب العراقي في فرض اسمه وهويته وهيبة اللعبة التي يمثلها، فجاءت الاهداف الثلاثة بحرفنة رائعة مهرتها الارادة العراقية التي سبق ان تغلبت على جميع المصاعب والمعوقات من اجل ابقاء جذوة الحماسة ومهابة اسم أسود الرافدين في قلوب غرمائهم الذين لن يجرؤوا على الاستهانة بقدراتهم في اسوأ مراحل الضعف التي مروا بها.ان التأهل الحاسم الذي طمأننا به منتخبنا الوطني قبل نهاية جولات التصفيات في هذا الدور يفرض على الملاك التدريبي خطوة الاستعانة بالبدلاء في الدور الاخير امام سنغافورة في العاصمة القطرية الدوحة لاسيما ان سياسة زيكو نجحت في احتواء ردود الافعال المتشنجة لعدد من اللاعبين امثال عماد محمد وهوار ملا محمد ونور صبري الذين كانوا يشتاطون غضباً في السنين الماضية اذا ما اشار اليهم المدرب بعين الاستياء على فرصة ضائعة، فما بالنا وهؤلاء قضوا التصفيات خارج المستطيل الاخضر بحسب رؤية زيكو التي اكد صوابها بعد ان ادخر جهود هوار وكرار للوقت المناسب في اهم مباراة لمنتخبنا ؟اجد الاشارة ضرورية الى المدرب عبد الكريم ناعم للتخلي عن قناعته باهمال الحارس نور صبري على دكة الاحتياط، فلقاء عمّان كشف حاجة محمد كاصد للاستراحة بعد ان فشل في اثبات جدارته كصمام امان للأسود ولم يُنظم حركته على خط مرماه واكتفى غالبا بالفرجة على اللاعب الاردني ومنحه الحرية في اختيار طريق مرور كرته الى الزاوية التي يرغب في ان يهز بها شباكه، ما دلل على سوء تحضيره لهذه المباراة حتى بتنا نخشى ضياع بطاقة التأهل الى نهائي المونديال من الآن اذا ما واصل كاصد شروده الذهني او تعامل بخوف وحذر خلال انفراد المهاجمين.بلا شك ان تعاون اتحاد الكرة مع المدرب والملاك المساعد في تحقيق الهدف المنشود جاء بعد مشاورات دقيقة لاعضاء الوفد لايجاد مقومات الانتصار في عمّان بصورة اكدت ان العمل الاحترافي البعيد عن العشوائية والارتجالية يقود الى نتائج عظيمة على مستوى قيادة المنتخب الى نهائيات كأس العالم كل اربع سنوات.واذا كانت من وقفة اخيرة ننصف بها احد رجالات العراق في اللعبة، فالتحية واجبة للمدرب القدير عدنان حمد الذي تحمل ضغوطا هائلة بمواجهة منتخب وطنه (الأم) وكان حريصاً جداً بالتصرف حتى في اثناء تسجيل الاردن اهدافه في المباراتين لئلا يثير حساسية الجمهور بالرغم من ان عمله كمدرب محترف يتعارض مع العواطف والاماني والولاء، فتلك خصال ليست محل امتحان هنا لشخص مثل حمد، بل ان ما حققه في تأهيل النشامى هو مكسب ثان للعراق لعلو كعب مدربيه وارتقاء كفاءاتهم، ومهما ابتعد الرجل عن البلد يبقى مديناً له بالشهرة والنجاح والخلق القويم.
مصارحة حرة :شوط.. ولا في الأحلام!
نشر في: 16 نوفمبر, 2011: 08:38 م