TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: (المجانيّة) فـي كتابة الشعر

تلويحة المدى: (المجانيّة) فـي كتابة الشعر

نشر في: 18 نوفمبر, 2011: 06:26 م

 شاكر لعيبييقترح بعض الشعراء والنقاد علينا اليوم أن نتوقف عند تخوم نهائية، اسمها اليوم قصيدة النثر. وهم يسقطون بذلك بحسن نية في كلاسيكية جديدة، أو بعمود شعري مُستحدَث بالمعنى الذي اُستخدم فيه تاريخياً مفهوم العمود، أي النسج على منوال تقليدي ثابت منذ مطلع القصيدة مروراً بجميع التفاصيل الأخرى المقعَّدة بصرامة لدى النقاد العرب التراثيين.
 ما الفارق يا ترى بين ذاك التقعيد والتقعيد الحالي للشعر؟ لا يبدو الفارق ذا شأن؛ نرى في التقعيد الراهن أصولية راسخة، وسلفية بالمقلوب، ففي حين أنها تزعم أنها في قلب الحداثة فأنها تستعير المفهوم بصيغته الأصلية الجامدة وتضرب بعرض الحائط ما ينطوي عليه من تجديد وانشقاق، وتفارق مستمر هو السمة الأصلية لأي حداثة. لنذكر أن مؤلفة الكتاب المقدّس عند البعض عن قصيدة النثر، السيدة سوزان برنار، ما زالت على قيد الحياة، وهي روائية كندية وناقدة أدبية، كتبت عملها المشهور عن قصيدة النثر عام 1959 ولديها دكتوراه في السوسيولوجيا، وفي سيرتها الذاتية الرسمية أنها تعمل بشكل أساسي بصفتها (معالجة نفسية [بشأن] الحداد والفقدانات المؤثرة الأخرى Thérapeute du deuil et autres pertes émotives)، حسب الموسوعة الإلكترونية ويكيبيديا. لو سألتها عن موقفها بشأن تصنيم آرائها، لأجابتْ في الغالب أنها ستكون ضد الأمر، ولو سألتها عن المروق عن قواعدها المقترحة لقصيدة النثر لوافقتْ، ولو سألتها عن التجريب في الشعر لأجابتْ أنها تميل له أصلاً لأنه يقع في مكان ما من أطروحاتها، ولأنه قد يثير (تأثيرا شعرياً) على ما قد تقول. يقع تقعيد (قصيدة النثر العربية) نظرياً بأطر نهائية، منها المجانية التي يبدو لي اليوم أنها قد فُهمتْ على نطاق واسع في العالم العربي بالمعنى المبتذل (للمجانية). اكتب ما تشاء وسَمِّهِ (قصيدة نثر) طالما ثمة المجانية هذه بالمعنى السائد ذاك. من نتائج هذا الفهم الفعلية التي نشهدها كل لحظة في الصحافة الورقية والإلكترونية، لكن خاصة على (استيسات) الفيس بوك العربية نصوصٌ لانهائيةٌ مجانيةٌ متدنّيةٌ بالفعل. أضف لذلك وبالترافق معه الضعف الإملائي الفاحش لدى كتّاب قصيدة النثر العربية الجدد وهم يذهبون إلى كتابة (لكِ) بالمؤنث بصيغة (لكي) و(أشكركي) و(أنتي) ... إلخ وكتابة النصوص التخاطبية بالحروف اللاتينية، ناجحين بما لم ينجح به لويس عوض وسعد عقل منذ بداية القرن العشرين. الخطورة الأخيرة يجب أخذها بعين الاعتبار القصوى. هناك أيضا التنميط الأسلوبي ووحدة القاموس في هذه النصوص، لكننا أمام نص واحد بتنويعات كثيرة. ومن دلالات هذا التنميط الأولى غياب التجربة الحميمة عن (قصيدة النثر) هذه، ومن نتائجها التفخيم المفرط للذات الكاتبة عبر إلصاق صفة (الشاعر) و(الشاعرة) قبل أسماء منتجيها من قبلهم هم أنفسهم، ثم تبادل المدائح المجانية بين من يكتبها. نلاحظ كذلك هجوماً كاسحاً من طرف الآنسات على هذه القصيدة. وإذا شئنا بعض الطرافة فإنها قصيدة (بنات) عن جدارة بمقاسات ضيقة أحياناً، تظهر التفاصيل الحميمة للجسد أحياناً أخرى.قد يفهم البعض من ذلك موقفاً رجعياً إزاء الأشكال الشعرية والممارسات اللغوية المستحدثة. لا شيء من ذلك في حالة من يدافع مثلنا بكل قوة عن حرية الكائن في التعبير غير المشروط المسؤول، والحرية في استخدم اللغة. إن قصيدة النثر شكل مشروع لكنه ليس الشكل الوحيد النهائيّ، ولا نظنّ (القواعد) التي وُضعتْ في الآونة الأخيرة صالحة دائما، سواء في الحالات الرفيعة أو الأقل رفعة. بينما الظواهر التي نتكلم عنها، والكثير منها نعرف منتجيها شخصياً، فإنها لا تستجيب في الحالات السائدة لشروط الحداثة والجمال والمعرفة والحرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram