شاكر الانباريهناك نسيج لأي بلد في العالم، من دونه لا يمكن اطلاق صفة بلد عليه. ان الذي يصنع البلد مدارس موحدة المناهج، وثقافة وطنية، وتجارة بين المدن، وكهرباء وطنية، وسياسة خارجية واضحة، وجيش متماسك، وميزانية عامة، وطرق مفتوحة بين المدن، وسكك حديد تربط اشلاء البلد بمحافظاته ومدنه وقراه،
وخطة عامة لتطوير هذه المدينة او تلك، ومنهج واضح لبناء الانسان، على مبادئ عامة تليق بوجوده البشري. هذا على الاقل ما نفهمه من تجارب لدول العالم المختلفة، سواء ما كان منها فيدراليا او مركزيا، جمهوريا او ملكيا. من المستغرب جدا ان يدعو بعض قادتنا الى تفكيك تلك الروابط بحجة الخوف على مصالح البلد، عبر الغاء وزارات مهمة كوزارة الزراعة مثلا، او وزارة التربية، او التجارة..الخ. فلنتخيل ان المحافظات صارت لها الصلاحية بتأليف مناهجها في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية، لكي تقدم رؤيتها الخاصة حول التاريخ القريب والبعيد، وتقدم رؤيتها حول اساليب التربية، ونمط العيش وما هو صحيح او خاطئ، الا يخرج الينا جيل، بعد سنوات، وهو لا يفقه شيئا من الهوية، او المواطنة، او الشخصية التي يفترض ان نعود اليها حين نذكر مقولة ابن البلد؟ ولنتخيل ايضا ان المحافظات بدأت بابرام عقود تجارية وصناعية، وبانشاء ما يحلو لها من مشاريع دون الرجوع الى خطط مركزية حول تجارة البلد، وضمن واقع المحافظات ومجالسها التي عادة ما ينتشر فيها وباء الفساد، والمحسوبيات، والسمسرة، والصراعات الحزبية، والارتباط بمصالح شركات ودول اجنبية، اين يمكن وضع السوق المشتركة، وهي من اساسيات الدولة؟ الا يعيدنا هذا الى تاريخ بعيد من القرون الوسطى، اعني به الاقطاعيات؟ الا تصبح كل محافظة اقطاعية قائمة بذاتها؟ وكذلك الأمر مع المطالبين بحل وزارة الزراعة، بحجة عرقلة التطور المحلي ومنعا للبيروقراطية. تخيل ان كل محافظة تزرع، وتستخدم المياه الشحيحة، وتنظم سدودها وجسورها دون اي تنسيق مع حكومة المركز، الا نجد ثمة اصواتا نشازا ستدعو ذات يوم باستخدام المياه كسلاح في تعديل حدود المحافظات أو الضغط والابتزاز؟ تلك ليست بالمزحة السمجة، نحن نشاهد اصواتا تتعالى بحناجر طائفية لتعديل هذا الحد او ذاك بين المحافظات، وتتعالى لتخوين ابناء هذه المحافظة او تلك، لتصبح التناحرات السياسية بوصلة للتعامل مع مقدرات الوطن. وكأن ما يهم هو تسجيل انتصار سياسي، وآيديولوجي، ومذهبي، ومناطقي، من قبل قوة سياسية على قوة اخرى. اما المصلحة العليا للعراق فهي آخر ما يفكر به الساسة على ما يبدو. قوى سياسية لا تألو جهدا بتجييش ابناء الطائفة، وربما ابناء الحزب، او ابناء المدينة حتى، من اجل قطع الكهرباء او الماء، او الطرق، عن مدينة اخرى، تختلف طائفيا عن السابقة، او لا تحتفل بالعيد مثلها في اليوم ذاته. كل شيء جائز في هذه المرحلة التي لم يعد ثمة ما يوحد البلد فيها الا القوى المحتلة، والسفارات الأجنبية التي اصبحت مرجعا لنا. هذه القوى، التي كانت توحدنا، وتمنع حروبنا الأهلية، في طريقها للرحيل، وترك البلد لأبنائه. الأبناء البررة، الذين لم يتفقوا يوما على أمر، سوى تفكيك البلد ونهبه!
كلمات عارية: تـفـكـيـــك الـبـلــد
نشر في: 18 نوفمبر, 2011: 07:04 م