اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

نشر في: 18 نوفمبر, 2011: 07:29 م

|  2  |آية الله السيد عمار أبو رغيفحينما يقرر أي باحث قواعد للدلالة، وحينما يسطر القارئ رؤيته للنص وفهمه، فهو ينطلق في قواعده وقراءته من رؤية أعمق من مجرد تحديد قواعد الدلالة، فالذين يقررون أن هناك دلالات التزامية مخالفة لمفهوم النص، ويشرعون دلالات (مفاهيم المخالفة) لا يقرون ذلك على مجرد استئناس لغوي أو استحسان دلالي مرتجل، بل ذهبوا إلى ذلك في ضوء رؤية وجودية لطبيعة اللغة وطبيعة العلاقات اللغوية الرابطة بين محمولات القضايا وموضوعاتها.
نعم، فتفسير قدرة اللغة على تنوع الدلالات، وتنويع مستوى الدلالة، والاستقرار أو عدم الاستقرار على دلالة أولية، ودلالات ثانوية، أو الذين ذهبوا إلى تقرير أصالة "عدم النقل" استندوا إلى رؤية فوق قضية تفسير وتحليل المجاز والقول باستصحاب القديم لقدمه، بل ركنوا إلى مفهوم الثبات النسبي في اللغة، ومفهوم الاعتبار والمواضعة وغيرها من اُسس، تعبّر عن رؤية وجودية ومعرفية أعمق من فتوى الحقيقة والمجاز وأصالة الحقيقة أو أصالة عدم النقل، وغيرها من مواقف دلالية انتهى إليها الباحثون. لا نريد أن نستعجل الأمثلة التي هي صميم ما سنتناوله في هذه الدراسات. إنما أردنا إن نشير إلى حقيقة صادرنا عليها، ولعلها من الحقائق التي يتفق عليها جل الباحثين والمحققين في علم اللغة وفلسفة الدلالة. وسيكون القادم من البحث دليلا جليا على صحة ما قلناه وسلامة المنهج الذي إعتمدناه.سنتابع البحث الأصولي في فقرات ما سندرسه من بحوث "الدلالة" وهذا يعني أننا سنبدأ من بحث "الوضع"، وهو ما بدأ به الأصوليون واستهلوا به أبحاثهم فيما عُرف بـ"الدلالة اللفظية"، التي يركن إليها الفقه في اكتشاف الشريعة وأحكامها. وسنجد عبر بحث" الوضع"، كيف نظر الأصوليون إلى اللغة، وما هي الدلالة ، وعلى أي مقاييس يتم تصنيف الدلالات ودور العقل الإنساني في الفضاء اللغوي، وأين تحكم الاعتباطية أو ضرورات التواصل الإنساني في نشأة الدلالة وتوظيف اللغة.سأعمد على الإبقاء على عناوين الأبحاث التي جاءت في سياق الدراسات الأصولية، لنقرأ مضمونها، ثم نتحرى وضعها في سياقها المعاصر لتأخذ عنوانها في ضوء المصطلح الحديث. دون أن نحمّل البحث الأصولي ما لا يتحمل، فنفجر اكتشافات مصطنعة، وننسب لأسلافنا مواكبتهم أو سبقهم لإبداعات العالم الحديث، فنحن لسنا مسكونين بسوسير، وشتراوس، وهيدجر، وأليوت، وشالاماخر، فنحن رجال وهم رجال، وليس نقصا في أسلافنا إذا قالوا ما يختلف مع هؤلاء، أو إذا لم يقاربوا ما انتهى إليه المحدثون، إذ المطلوب أن نقرأهم – ما أمكن – دون افتئات، إما إبداع الفضاءات وفتح الكِوى والاجتهاد في الرأي فثقتنا كبيرة أن عروقنا لا ينقصها ما توفر عليه الآخر !.ويحملنا هذا السياق على إثارة قضية منهجية أساسية، وهي أيضا رؤية معرفية في الصميم: لقد تأكدنا من وعي اللحمة القائمة بين معطيات المدرسة الأصولية الحديثة، وبين تراث السلف من حكماء ولغويين ومتكلمين وبلاغيين، فقررنا أن نكتشف المتأخرين في ضوء إرث الماضي، ونقرأ الحاضر من زاوية صيرورته التأريخية، ثم أكدنا وعيناً بضرورة وصل الحديث من فكر الأصوليين براهن العصر ومعطياته، فنقرأ ما يُعلَّم في حجرات مدارس النجف الأشرف في ضوء معاصر، وأكدنا على ضرورة التعاطي مع هذه المزاوجة بحذر الباحث الذي يتوجب عليه أن يضع الأمور في نصابها.وعلى أساس هذا المنهج سنقوم باستصحاب الدرس الأصولي مرتين، مرة نعود به إلى منابعه التأريخية التي لم ينفك مستسقيا منها، وأخرى نتقدم به لنراه في ضوء الراهن المعاصر من أفكار ورؤى. ولكن من قال أن هذه الضرورة المنهجية سوف تسعفنا برؤية إضافية سواء إلى تراث السلف أم إلى معطيات الدرس الأصولي الحديث، إضافة إلى ما يتمثله عقلنا المعاصر من رؤى واجتهادات، فهل لأفكار الماضين وجود غير صيرورتها المعاصرة ؟.لعلّ منا من يجنح إلى القول أننا: "نحتاج في هذه القراءة إلى حقيقة ترتبط بطبيعة العلاقة بين التراث – في أي مجال من مجالاته المتعددة – ووعينا المعاصر؛ إذ ليس للتراث وجود مستقل خارج وعينا به، وفهمنا إياه. ووجوده المستقل – إذا صح له هذا الوجود – إنما يتمثل في شكل من أشكال الوجود الفيزيقي العيني الذي يمكن أن يدرك بالحس ويخضع لمقاييس الفراغ المكاني الذي يحتله على رفوف المكتبات في شكل مجلدات مطبوعة أو مخطوطة. وليس هذا الوجود العيني هو ما يعنينا؛ وإنما الذي يعنينا وجوده في معرفتنا وفي وعينا الثقافي، وهذا الوجود في الوعي هو الذي نصفه بعدم الاستقلال ؛ وكيف يوصف التراث بالاستقلال عن الوعي المعاصر، وهو لا يوجد إلا فيه وبه"().هذا الجنوح بالقول  ينقلنا إلى الإشكالية المعرفية المزمنة (إشكالية الذات والموضوع) ومن ثم إلى الجدل الدائم بين المثالية والواقعية. وهو اخطر جدل في تاريخ المعرفة الإنسانية عامة، آية ذلك أن (التأويلية) بمدارسها المتنوعة تمثل أوضح مرآة لتجليات هذا الجدل. الذي يتطلب ظرافة وحكمة وصبرا في بناء الرؤية، نتجنب في ضوئها الخيارات العجولة، التي تجر المعرفة إلى أحادية التقدير، وتضيَّق دائرة أفق البصيرة في كون ليس له إلا واحد احد، أبدعه متنوعاً، متكاثراً، سيالاً، متعدد الأوجه.أجل، فالتأويل ليس عملاً اعتباطياً وليس صيرورة مفارقة إنما ترتبط وجهته بأسس معرفية ورؤى

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram