لطفية الدليمي تتشكل أعلام الدول من رموز تخص ثقافاتها أو أشهر أشجارها المقدسة وعلامات حاضرها المزدهر، وعلم العراق الحالي بألوانه الأربعة وريث أعلام تعاقبت علينا واتخذت من قصيدة صفي الدين الحلي مرجعاً لألوانها - قصيدة سلي الرماح العوالي:
سلي الرماح العوالي عن معاليناواستشهدي البيض هل خاب الرجا فيناوتحتشد القصيدة بالفخر ومديح المعالي والقتال بنفس شوفيني مع هجاء الآخر والتقليل من شأنه في الغزوات، حتى يقول: بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضيناواستلهمت من النص ألوان أعلام دول عربية ومنها علم العراق الأول عند تأسيس الدولة العراقية باجتهاد من شخصيات قومية ركزت على ثيمات الفخر والقتال ..وظلت تلك الألوان محط اهتمام النفس القومي إلى يومنا هذا، وألوان العلم هي ذاتها ألوان علم الثورة العربية التي قام بها الهاشميون ضد العثمانيين – وتمثل ألوانها رايات قادة المسلمين، حيث سيتكرر حضور هذه الثيمة في الأعلام التالية وأعلام الوحدة العربية بين سوريا ومصر وعلم الاتحاد الهاشمي وعلم فلسطين في استعادة لرايات قادة حروب الفتح الإسلامي.يتساءل الكثير من العراقيين المعنيين بالهوية الوطنية العراقية - ترى لماذا لا نستخدم رمزاً عراقياًَ يجمع مكوناتنا؟ لماذا لا تكون النخلة رمزنا؟ لماذا لا نشير بها إلى العراق الحاضر وعراق الحضارات؟؟.. هي شجرة السلام والمعرفة والخير الوفير لإنسان وادي الرافدين منذ أول الخليقة ،هي الشجرة التي عدد لها شاعر بابلي في قصيدة له 365 فائدة على عدد أيام السنة ، فمنها قناطره وعماد بيته وسقف منزله وفرش أرضه وسرير عياله وأرائك انسه ومنها غذاؤه من تمر ودبس وجمار وحلويات مصنعة وعلاجات لأمراض وأوجاع مختلفة، وللتمر في العلم الحديث منافع علاجية متعددة ، فقد وضع العلماء فايروس الكوليرا على تمر ناضج فأفرز التمر حمضاً قضى على الفايروس .. تعتز كندا بشجرة القيقب أو الاسفندان وهي أكثر الأشجار انتشاراً في ربوعها وتمثل طبيعتها الخضراء، لذا اختارت ورقة القيقب رمزا يتوسط رايتها، بينما ازدان علم لبنان بشجرة الأرز رمز خلود لبنان وعراقته، وثمة دول لاتينية تتضمن أعلامها سعفة نخل أو رمزاً نباتياً أو ثمرة محلية..ونخلتنا وهي الشجرة المقدسة في ثقافتنا العراقية كانت رمزا سائدا خلال عصور الحضارات السومرية والأكدية والبابلية فمن سعفها تصنع زينات الأعياد ومن عذوق ثمرها تتخذ علامة الوفرة والخير ومن رحيقها الدبس والاشربة والسكنجبيل ومن خوصها السلال والمهافيف والحصر والأقفاص والأبواب والمظلات .. وللنخلة في ذاكرة العراقيين أسماؤها المتعددة جميلة الوقع ، ففي بابل أسموها (جشمارو) وفي سومر (جشمار) ولعلنا حرّفنا (جشمار) إلى (جمّار) في تواصل عذب بين حرفي الجيم والميم بعد أن أسقطنا حرف (الشين) الخشن من قلب الكلمة.. وقد سمّى السومريون التمر (سولبو)، وأما الآراميون فقد اسموا النخلة (دقلة) وأسماها الأحباش (تمراً) وقدستها شعوب الأمس باعتبارها شجرة الفردوس والمعرفة كما أكرمها الإسلام قرآناً وأحاديث نبوية كشجرة مباركة من شجر الجنان.والتمر عزيز لا يطال إلا بارتقاء النخل فلا يتسخ من غبار مدن ووساخات دواب وعابرين ،ولطهر النخلة ونظافتها كانت شعار الخصب ورمز الشموخ وبسعفها كانت تزين المعابد والمدن والقصور في الأعياد الرافدينية استجلاباً للبركة والخير، فلماذا لا تجمعنا النخلة في راية البلاد، وقد جمعتنا منذ طفولة البشرية بخيراتها ووفائها للإنسان؟ فلنبادل النخلة وفاءها بوفاء، ونضعها في راية العراق رمزاً للوطن والعراقة والوفرة والسلام.
قناديل :لماذا لا تزيّن النخلة علم العراق؟
نشر في: 19 نوفمبر, 2011: 06:26 م