بغداد / قيصر البغداديقرأت في أحدى الصحف موضوعاً يتحدث عن شاب قام ببيع إحدى كليتيه بسبب الفقر ... حيث يقول التقرير لم يجد الشاب العراقي جاسم عبد الباقي من سبيل سوى بيع كليته في محاولة منه لسد جوع وعوز أسرته وتحقيق جزء من أحلامه البسيطة التي يرى أنها تبددت في الوقت الراهن رغم ما تحمله من آلام .
ويقول البائع وقد جلس على فراشه داخل منزله المتواضع في أطراف الأحياء الغربية لمدينة بعقوبة ، إن"الفقر قاتل أخرس يفتك بنا، حاولنا مرارا الهروب منه دون جدوى".وأضاف - فيما يقوم مساعد طبي بتعقيم جرح طويل على جانب بطنه - انه عمل في أغلب المهن وتنقل في العديد من المحافظات طلبا للرزق في محاولة منه لسد جوع وعوز أسرته، لكن دون جدوى فما يحصل عليه من مال كان قليلاً جدا، لذا أصابه اليأس والإرهاق من التفكير في غد، بات أشبه بمن ينظر في نفق مظلم. وأشار عبد الباقي إلى أنه أراد التضحية من أجل أسرته فقط غير مبال بحاله لكونه أدرك أن الفقر مرض مزمن لابد من علاجه، لذا تبادر إلى ذهنه موضوع بيع كليته، بعد أن عرف أن هناك من يدفع المال الكثير والوفير لذلك، مبينا أن أحد أصدقائه فعل الأمر ذاته منذ نحو ثلاثة أعوام، حيث سافر إلى إحدى دول الخليج وباع كليته هناك. وأوضح عبد الباقي انه تسلم نحو 19 ألف دولار أميركي لقاء كليته وسوف يستثمرها في شراء سيارة أجرة حديثة الصنع، وإعمار منزله المتهالك، لافتا إلى أنه كان يحلم بأن يتزوج ويكون لديه أطفال يلعب معهم، إلا أن هذا الحلم تبدد في الوقت الراهن فأصبح حلم إسعاد عائلته الفقيرة وعلاج أبيه المريض أهم شيء لديه. لا شك في أن الشباب هم أمل الوطن وهم الشريحة المستهدفة لأنهم يمثلون وقود الحاضر وعدة المستقبل والإسلام أوصى بالشباب خيرا، وبالتالي كان لا بدّ من أن نوجه اهتمامنا للشباب في كل الجوانب ،فإذا تمت تنشئتهم ورعايتهم رعاية سليمة وفي أجواء صحية ،فأنه حتما سينتظر الوطن مستقبلا جميلا.ولكن ما يصيب النفس بالإحباط واليأس هو حالة التشاؤم العامة التي وجدت طريقها إلى سلوك شبابنا اليومي وانعكست سلباً على طموحاتنا ونظرتنا للمستقبل . حالة اليأس والتشاؤم عززت من حالة الإحباط التي بدأت تحاصر شبابنا في واقع معيشتهم لمجتمع متشائم وكذلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي سببها فساد السلطة وقف عائقا أمام طموح الشباب.كنت أريد أن أتحدث عن التفاؤل فوجدت نفسي متشائما، حيث أصبح شبابنا ينظر بسوداوية لكل شيء ولم تعد ( تفاءلوا بالخير تجدوه ) تجدي نفعاً أمام حالة يئس وتشاؤم مستعصية غرزت في نفوس الشباب وذلك عندما تحيط بك عوامل اليأس والتشاؤم من كل الجوانب الفساد والفقر والظلم والفراغ والبطالة والتهميش واللامبالاة كل هذه العوامل تجعل منا شبابا متشائماً يسير نحو الهاوية الخطرة دون شعور.تجمعت في الحلق أكثر من غصّة وأنا أشاهد أمثلة كثيرة لشباب استسلمت للواقع المرير فانزوت وتحطمت وأخرى سبحت مع التيار وأصبحت جزءاً منه. إن أوضاع الشباب اليوم سترمي بالشباب في أتون طريقين لا ثالث لهما، أمام الفساد الأخلاقي والضياع والتسكع.يقول حارث حميد (28 عاما)، عاطل عن العمل، كعادتي كل مساء أعود إلى البيت لأمارس عملي اليومي (النوم) بعد أن حصلت على الشهادة الجامعية قبل 6 سنوات..استيقظ على نداءات جدتي التي دائما ما تبعث في الجميع روح التفاؤل والصبر لأنها من جيل كان كبيرا وسيظل كذلك.. أصرت تلك العجوز المحقة على أن يأخذ هذا الحفيد أوراقه وشهاداته ويعيد الركض من جديد عل الحظ يسعفه، أو تلتقطه وظيفة، أو تضمه إحدى وزاراتنا لكوكبتها الممتلئة، لاسيما أن هناك من رفقاء دراسته من هم أقل منه مستوى وطموحا ذهب إلى تلك المواقع ونال أحقيته من السعي لنيل ما يناله آخرون، وفقا لعطاءات الوطن التي لا تنقطع.. ذهب ذلك الصباح محملا بأمل جديد بثته كلمات امرأة طاعنة في السن أعادت له شيئا من حيويته المفتقدة.هداه فكره إلى أن يقرر الاتجاه إلى عدد من الوزارات والدوائر الحكومية المختلفة ،متجاهلا الميزانية التي تحتاج إليها كل وزارة بسبب النقل المزعج والزحام ،فالحاجة تفتق الحيلة وقد عاد في أول مساء لفراشه بعد أن جمع أفكاره في انتظار صباح جديد يبدأ فيه الانطلاق، غادر لأول وزارة..كانت هذه الشهادة المضنية تدعمها أخرى تدعى حسن السيرة والسلوك ظن أنها تترجم مشواره الدراسي وتدعم شهادته صورة أمل الوالدين والجدة لم تفارق المخيلة منذ أن غادر البيت، انتقل من مكتب لآخر ومن مؤسسة لأختها ومن دائرة لأخرى.. حاملا هذا الملف المليء بالأوراق،المؤسسة تطلب شهادة لا يحملها، والدائرة تود معدلا بعيدا نسبيا عن معدله! جزء لا بأس به يرحب بالملف ويؤكد أنه محط اهتمام، وتحت عناية، إلا أنه لابد من الانتظار حتى يتسنى استكمال الإجراءات، ملّ من وضع هاتفه فلم يكن لديه هاتف فقد استعان بمبلغ بيعه البسيط في تسيير رحلته الشاقة.
قصص التفاؤل والتشاؤم عن الشباب العراقي
نشر في: 19 نوفمبر, 2011: 09:18 م