يوسف أبو الفوزكان الشعار الأبرز الذي حملته الجماهير الثائرة ، في مختلف البلدان العربية ، هو (الشعب يريد إسقاط النظام)، كان مثارا للجدل بين المراقبين والسياسيين ، لكن المعروف أن الجماهير الثائرة لا تعني أنها تريد سيادة منطق الفوضى ، كما حاولت الأنظمة الحاكمة أن تشيع وتنثر الدخان لإفراغ الشعار من محتواه الثوري ، الذي يعني أساسا إسقاط النظام الاستبدادي الحاكم . مع تنامي الفعل الجماهيري ونشاطه وتهاوي الأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا، والحبل على الجرار، بدأت تتصاعد الكثير من الأسئلة المشروعة، عن البديل الذي سيملأ الفراغ ، وعن نظام الحكم السياسي الجديد وأي قوى سياسية ستبني البديل الذي تنشده الجماهير؟
الصراعات ما زالت محتدمة حول القوى الأجدر بقيادة التغيير، توقفت النشاطات الاقتصادية في العديد من البلدان العربية وبرزت حالة كثرة تشكيل الأحزاب السياسية ، خاصة بين القوى الديمقراطية واليسارية ، مما يؤدي إلى تشظي الجهود، وجعل العديد من المخاوف الجدية تبرز إلى السطح، منها المخاوف من أن يركب الإسلام السياسي الموجة وخصوصا التيارات السلفية، التي تبدو موحدة أكثر، مما يؤهلها لسرقة الثورة من شعوبها، أو أن تتصدر المشهد السياسي قوى محاصصة طائفية، تستغل آلية الديمقراطية لتعزيز موقعها في السلطة. وسط كل هذه المخاوف والتساؤلات المشروعة، نجد هناك من يتحسر على سقوط القذافي، وهناك من يبكي سقوط الفكر القومي ويحذر من "سايكس بيكو" جديدة، بل أن هناك من يطالبنا بحك رؤوسنا ويحذرنا من كون أن ما جرى في تونس ومصر وليبيا ما هو إلا عودة لقوى الاستعمار الى المنطقة وان هذه الشعوب مخدوعة بسبب تعطشها للحرية وصارت أداة لمخططات أطلسية! الأنظمة العربية الحاكمة ، المعادية للحياة الديمقراطية الحقيقية ، صاحبة مسرحيات الانتخابات وفوز حكامها بنتائج الـ 99% ، كانت تحظى بدعم دول الغرب لأغراض سياسية ليس خافية ، فهي في المحصلة تصب في خدمة دوران عجلة الرأسمال العالمي، هذه الأنظمة وخلال سنوات حكمها ، وبمباركة من حكومات الغرب قمعت كل رأي معارض لها، وفتحت السجون وأبواب المنفى وصبت غضبها على القوى اليسارية والديمقراطية والليبرالية والإسلامية المعتدلة ومارست بتفوق سياسية التجهيل مع شعوبها وابتدعت الحملات الإيمانية . ترافق ذلك مع انتشار فضائيات النفط ، التي أكملت المهمة ، فلم يعد المواطن العربي يقترب من كتاب أو مجلة علمية أو نشاط مدني، نهشه الفقر فصار جل وقته يجري من اجل لقمة الخبز متحاشيا شرطة وعيون الاستبداد، صارت الأفكار الغيبية والخرافات تسكن روحه وتفسر له كل مجريات حياته . مع كل هذا الواقع ، فأن ثورة الاتصالات الحديثة، فجرت في الجماهير القدرة على ابتكار أساليب جديدة لتنظيم نفسها، دفعها ذلك لتتلمس طريقها بعيدا عن تأثير القوى السياسية التقليدية ، ومنها قوى الإسلام السياسي التي فشلت في بعض البلدان لان تقدم نموذجا ديمقراطيا يحقق الأمن والحياة السعيدة. إن شباب الربيع العربي ومن يساندهم من فئات الشعب، يدركون أن مستقبلهم ونجاح ثورتهم مرهون بمواصلة العمل لإرساء أسس جديدة للحياة الجديدة، من هذه الأسس ، فكر تنويري يتسامح مع الآخر، يجعل المواطنة أساس التعامل. الشعوب العربية، وقواها المخلصة للتغيير، تدرك جيدا أن الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف الناتو ليس جمعية خيرية، وان للدول المشتركة فيه مصالح في المنطقة ليست بخافية على احد، إن الكرة الآن في ملعب الشعوب، لتمضي إلى الامام في مشوار التغيير ، وان لا تغفل عن نوايا قوى الرأسمال الذي لن يخسر كثيرا لو تمت إعادة تأهيل الإسلام السياسي ليحكم على النمط التركي أو نمط مبتكر جديد!! haddad.yousif70@gmail.com
وجهة نظر: جمعية خيريّة اسمها: حلف الناتو !
نشر في: 20 نوفمبر, 2011: 06:57 م