TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

نشر في: 20 نوفمبر, 2011: 06:59 م

|  4  |آية الله السيد عمار أبو رغيفمن هو الواضع ؟ذهب متكلّمو مدرسة العقل إلى أن البشر هم الذين اصطنعوا اللغة للتعبير عن المعاني، فاللغة، والكلام وجود حادث على غرار حدوث الكلام الإلهي، ومن ثم جاءت اللغة بمفرداتها ونظامها في سياق المواضعات الإنسانية والاعتبار والجعل البشري. أما متكلمو المدرسة السلفية وجمهور الأشاعرة فقد ذهبوا إلى قدم الكلام الإلهي، ومن ثم فاللغة ونظامها كائن أزلي، يبعد أن تقرره المواضعات الحادثة والاعتبارات البشرية، إنما هو المتكلم الأزلي ألهم الإنسان اللغة كما علّمه الشرع، فاللغة توقيف، وواضعها هو الله، الذي "علم آدم الأسماء كلها"( )!.
نقل السيوطي في المزهر عن أبي الفتح بن برهان في كتاب الوصول إلى الأصول: (اختلف العلماءُ في اللغة: هل تَثبُتُ، توقيفاً أو اصطلاحاً؟ فذهبت المعتزلةُ إلى أن اللغات بأسْرها تثبت اصطلاحاً، وذهبت طائفةٌ إلى أنها تثبتُ توقيفاً ... وقال أهلُ التحقيق من أصحابنا: لا بدّ من التوقيف في أصل اللغةِ الواحدة؛ لاسْتِحَالة وقوعِ الاصطلاح على أوَّل اللغات من غيرِ معرفةٍ من المصطلحين بعَينِ ما اصطلحوا عليه؛ وإذا حصلَ التوقيفُ على لغةٍ واحدة جاز أن يكونَ ما بعدَها من اللغات اصطلاحاً، وأن يكون تَوقيفاً؛ ولا يُقْطَع بأحدهما إلاّ بدلالة)( ).في اُفق الجدل الكلامي وفي سياق ما عرف في التاريخ الإسلامي بـ(محنة القرآن)، حيث تحول الجدل الفكري إلى محنة يلعب بها السلطان لعبته، طرح موضوع نشوء اللغة وتحديد مقرر نظامها الدلالي بمفرداته وبناه الأساسية، فقاد القول بتقرّر الأفعال الإلهية الأزلي إلى القول بأن القرآن بمفرداته ونظامه الدلالي وجود ناجز قبل صيرورة الممكنات وقبل الإنسان وقيام نظامه الاجتماعي وحاجاته في إطار هذا النظام، فالقرآن قديم والكلام الإلهي قديم قدم الأفعال الإلهية. ومن ثم فاللغة بكل تكوينها مفردات وسياقات ونظاما دلاليا هي من صنع (الله)، وهو واضع الألفاظ لمعانيها، وعرف هذا المذهب في تفسير أصل الدلالة ومنشأ اللغة (التوقيف).ليس هناك أي لزوم منطقي بين القول بقدم الأفعال الإلهية وبين توقيفية اللغة أو سائر النظم الإشارية التي استخدمها وسيستخدمها البشر في مسيرة حياتهم. وأيضا ليس هناك لزوم منطقي بين القول بخلق القرآن وبين مذهب بشرية اللغة. يدلنا على ذلك ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره حيث قال: (قال الأشعري والجبائي والكعبي: اللغات كلها توقيفية. بمعنى أن الله تعالى خلق علماً ضرورياً بتلك الألفاظ وتلك المعاني، وبأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني ... وقال أبو هاشم: إنه لابد من تقدم لغة اصطلاحية.فأبو علي الجبائي والكعبي كانا معتزلين، على أننا لا ننكر أن القول بقدم الكلام الإلهي يهيئ المناخ العام للقول بتوقيفية اللغة. لكننا ننكر اللزوم المنطقي، وضرورة الصيرورة إلى القول بالتوقيف جراء الإيمان بقدم الكلام الإلهي والذهاب إلى بشرية الوضع اللغوي، جراء القول بحدوث الكلام الإلهي، ويدلنا أيضا ما طرح في أطار مدرسة النجف الأشرف الحديثة من اتجاه، وهي مدرسة قائلة بخلق القرآن.تبنّى الشيخ النائيني مذهب توقيفية اللغة، ولم يجد من سبب معقول غير (الله) يقف خلف استخدام الأصوات كنظام إشاري استخدمه البشر للتعبير عن مقاصدهم، وكشف الألفاظ عن معانيها. هذا هو رأي أحد الأساتذة المتأخرين من علماء أصول الفقه في مدرسة النجف الحديثة، ولابد من تمحيص الحيثيات والمرتكزات التي على أساسها أقام النائيني رأيه. هذا الرأي الذي انطلق من حيثيات الواقع التاريخي وواقع اللغة إلى فرض ميتافيزيقي، ولم يكن منطلقاً من قدم الأفعال وأزلية الكلام الإلهي  (الميتافيزيقيا) إلى تحديد الواقع اللغوي، ولو كان كذلك لم يجد النائيني تناغماً واضحاً بين قوله بخلق القران وتوقيفية اللغة.أقام النائيني اتجاهه إلى توقيفية اللغة وأن واضعها "الله" على مجموعة حيثيات: 1- إنّ افتراض كون واضع اللغة من أبناء البشر، وأنه قام بجعل واعتبار الألفاظ بإزاء معانيها افتراض تدحضه دلالات التاريخ الإنساني، إذ لو كان هناك واضع للغات أو للغة من اللغات كالعربية لثبّت التاريخ هذا الحدث الخطير ، وأسطورة (يعرب بن قحطان)، واضع اللغة العربية شاهد على ذلك، إذ لم يثبت هذا الحدث إنما بقي على حد الأساطير والحكايات الشعبية.2- ثم كيف يتسنى للبشر وضع الألفاظ إزاء المعاني، وألفاظ اللغة لا تتناهى والمعاني لا حدود لها ؟ إن إحاطة البشر كل البشر بكل الأصوات، التي يمكن أن تستخدم كعلامات على المعاني، التي هي بدورها غير محدودة بحدود، أمر في حريم الاستحالة والامتناع.3- إنّ اللغة أداة لإشباع حاجات البشر في الاتصال ، الاتصال الذي يحفظ نظام حياة الإنسان، وإذا تجاوزنا فرض وجود واضع بشري أنجز الوضع مرة واحدة، وذهبنا إلى أن وضع اللغة يتم بصورة تدريجية فهذا الفرض لا يجدي في المقام. لأن السؤال يبقى قائما عن كيفية حفظ البشر لنظام حياتهم الإنسانية قبل إكمال وضع اللغة وهي أداة التواصل التي يقوم على أساسها نظام حياة البشر؟ ثم ماذا فعل الخلق الأوّل من الناس قبل التواضع على اللغة في تواصلهم مع بعضهم، وفي التوافق على النظام اللغوي؟4- لهذه الحيثيات خلص النائيني إلى حتمية أن تكون قضية وضع اللغة وإيداع الألفاظ لتأدية المعاني منتهية إلى الله تعالى. أما كيف تم وضع وجعل الألفاظ بإزاء المعاني من قبل الله تعالى ؟ وهل وضعت الألفاظ لأداء معانيها بطريقة اعتباطية وباقتراح صرف، دون جهة موجبة اقتضت أداء المعنى بلفظه الخاص؟وقف النائيني عند هذه الأسئلة، التي تخرج جلها من حريم الب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram