بغداد / جلال حسنلا خيار أمام محمود سلمان إلا السفر الى بغداد بحثاً عن فرصة عمل بعد أن ضاقت به سُبل العيش في محافظته ، محمود خريج معهد تكنولوجي قسم الكهرباء وكسب بعض الخبرة في عمل ربط خطوط كهرباء الضغط الفائق نتيجة عمله مع أحد المقاولين في محطة ثانوية للكهرباء ، ولكن بعد إنجاز العمل وجد نفسه ثانية على رصيف البطالة ، لذلك قرر الذهاب الى بغداد لأنها أفضل حالاً من بقية المحافظات .
وفي اليوم الثاني قررأن يبيع محارم ( كلينكس) في تقاطع الشوارع الرئيسة عند الاشارات المرورية ، وبرغم قلة البيع ، لكنه اتفق مع تاجر في الشورجة أن يسدد ثمن البضاعة بعد أن بيعها وبكفالة صديق , وأستطاع أن يوفر بعض المال ويبعث به الى عائلته في الناصرية . محمود يعيل عائلتين بوقت واحد عائلته المتكونة من 7 اشخاص وعائلة أبيه من 4 أشخاص . وعلى الرغم من معاناة محمود في مشكلة المبيت بالفندق إلا أنه أخذ وعداً ألا يشتكي لأحد من الفندق الذي يسكنه في باب المعظم الذي هو عبارة عن مكان قديم ومهجور تعبث فيه الفئران والقطط والاسرّة لا تصلح للنوم فضلا عن عدم وجود ماء حار وصابون واغطية اضافية ، لكنه تحمّل كل ذلك لان الفندق رخيص قياسا الى باقي الفنادق الغالية . محمود يستيقظ الساعة السادسة صباحاً ويحمل بضاعته الكبيرة الحجم ولكنها خفيفة الوزن ويفضّل المشي من باب المعظم الى ساحة بيروت ومنها الى سيطرة الابتسام لتوقف السيارات لفترات زمنية أطول من بقية التقاطعات القريبة وبذلك أستطاع أن يتعامل مع السواق بطريقة ودية لكي يبيع لهم علب المحارم وبعضهم يشتري أكثر من علبة مجاملة له وحلاوة لسانه . محمود لم يهتم لوجبات الغذاء لأنه لا يجلس في مطعم وقد يكتفي باللفات السريعة ولكنه وجد طريقة أكثر رخصاً وأكثر شبعاً وهي انه يشتري صمونا مع طماطة وخيارا ولبنا وعلبة جبن من الفرن القريب من الفندق لتكفيه يوماً كاملاً ، أكثر ما يحزن محمود رؤية الاطفال مع ذويهم .. المنظر يذكـّره باطفاله واشتياقه لهم بعد طول فراق لأنه لا يعد الايام ،بل يحسب ما يوفره من مال لكي يسافر لرؤيتهم وجيوبه ملأى بالنقود ، وأكثر من يشتاق اليهم أبنته نور الهدى الطالبة في الصف الخامس الابتدائي لانها بحاجة الى أن يدرسها يومياً الرياضيات واللغة العربية ويشدد على سلامة نطقها في درس اللغة الانكليزية لانها ضعيفة بالنطق السليم ويجد محمود في ذلك متعة ومسؤولية ، كذلك مراقبة ابنه علي 9 سنوات الذي يتصف بالشقاوة وكثيرا ما يزعّل الجيران من تصرفاته الطفولية .يقول محمود : أن البيع في التقاطعات المرورية له ثمن باهظ على الرغم من أنه عمل شريف وحر ولكن بعض السواق ينظر وكأني شحاذ أتوسل بهم أن يشتروا مني ، لذلك كنت أقف على الرصيف واعرض بضاعتي ولكن السواق لا يشترون إلا من يستطيع الاقتراب منهم ، وبرغم أن فورة العمل تبدأ من الساعة 11 صباحا الى الثالثة نتيجة الزحامات الشديدة لذلك لا آخذ أية استراحة في هذا الوقت على الرغم من أن عملي يتطلب المشي بين السيارات والانتباه الشديد. ويضيف : أرجع الى الفندق الساعة الخامسة واتمدد قليلاً على الفراش فترة قليلة ثم اذهب ثانية الى شراء عشاء وغداء وفطور واجلس في مقهى قريبة اشاهد التلفاز وارجع بعدها الى الفندق لأنهض في عمل يوم جديد .ولا ريب أن مشكلة البطالة تفاقمت خلال الفترة الاخيرة نتيجة زيادة أعداد الخريجين وغير الخريجين ولكن لا توجد احصيائيات مضبوطة بهذا الخصوص ،وأن المنظمات الانسانية لا تملك قاعدة بيانات كذلك بيانات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ولكنها تؤكد على المسجلين لديها . وفي آخر بيان لها أعلنت وزارة العمل أن عدد العراقيين العاطلين من العمل يبلغ مليوناً و200 ألف شخص، وفيما أكدت وجود عمالة أجنبية غير قانونية،.وكشف وزير العمل نصار الربيعي أن عدد العاطلين من العمل في العراق والمسجلين في مراكز التشغيل يبلغ مليوناً و200 ألف عاطل.ولكن قال مصدر مسؤول في الوزارة إن دائرة العمل اعدت احصائية جديدة لعدد العاطلين المسجلين ضمن قاعدة بياناتها حيث بلغ عددهم فيها مليوناً و486 الف عاطل عن العمل منذ عام 2003 ولغاية شهر حزيران الماضي . واضاف المصدر انه تم تشغيل 24 الفا و81 عاطلا في مهن متنوعة عدا فرص العمل التي قدمت لهم عن طريق برنامج القروض الصغيرة .يذكر أن العراق يعاني من بطالة كبيرة سواء بين فئة الشباب القادرين عن العمل أو في صفوف الخريجين الجامعيين، خصوصاً بعد دخول عدد كبير من الأيدي العاملة الأجنبية إلى البلاد، ويعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن التقديرات الإحصائية التي يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء لا تعبّر بالضرورة عن الواقع.
الباعة المتجولون يعودون إلى تقاطع الشوارع

نشر في: 20 نوفمبر, 2011: 07:51 م