اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > منوعات وأخيرة > هنا ترقد البلاد

هنا ترقد البلاد

نشر في: 29 سبتمبر, 2009: 11:44 م

شاكر الأنباريفي الطريق الى القرية الواقعة على نهر الفرات عادة ما يكون المشهد مؤلما. على امتداد المساحة  بين ضفة النهر والصحراء، تتناقص يوما بعد آخر المساحات الخضر. تختفي كثافات النخيل، وتزول حقول الجت والبرسيم. وأشجار التفاح والنارنج والتين تترك أماكنها لحقول واسعة من الشوك والعاقول.
فهذه النباتات فقط يمكن ان تنمو في الجفاف. اما نهر الفرات الذي كان ذات مرة بحرا متلاطما يمتد حتى كيلو متر عرضا، فهو اليوم خيط رفيع. تخترق افقه الذبابات الخريفية والغربان. لا سورات ماء هناك ولا أمواج. أصوات مضخات الماء لم تعد تسمع في الظهيرات، وغاب الدخان عن أفق الطرفاء والغرب والحلفاء. الفرات يضيق ماؤه فلا يعود مغريا للسابحين والمتأملين، ولا مكانا لصيد السمك. يتجول الصياد بقاربه ساعات دون ان تصطاد شيكته ولا شبوطا واحدا. rnالتلوث بلغ مديات هائلة ومخيفة، وقلة الجريان سببت فساد الماء وتعفنه بين الضفاف الملوثة بالنفط والمخلفات المدينية. هذا هو حال الفرات. نصف العراق، حيث نصفه الآخر دجلة الخير كما سماها الجواهري. الفرات، النهر الذي عاقرته طفولة اجيال من العراقيين، ابتداء من حدوده الشمالية وانتهاء  بمدينة القرنة جنوبا، بدأت المياه المالحة تمد السنتها نحو البصرة، وتحيلها هي الأخرى الى حقل من الرمال. ترملت مدن وغابت قرى عن الخارطة. وخارطة الرافدين تضيق شهرا اثر شهر، وهناك دول تخوض حروبا من أجل الماء. هو عصب الحياة لشعوبها وحضارتها، فكيف بالعراق الذي لا يمتلك سوى النهرين هذين؟ تقول لنا التقارير ان عشرات السدود التي اقيمت في اعالي الفرات بدأت تخنق النهر. الدفق القادم الى البلاد بات يقنن، يقطر، يحسب بالميزان. ويتعلق بذلك ملفات سياسية، وأمنية، وعداوات، وتواريخ. بدأت مساحة الحياة تضيق أمام الفلاح، وتحوله قوننة المياه الظالمة، من جاراتنا وجيراننا، الى كائن يعيش على ما تنتجه دول أخرى. ولا خير في أمة تأكل من يد غيرها. rnالجبنة من سورية، واللبن من تركيا، والعصير من ايران. اللحمة من استراليا. والزيت من مصر.  ومن غرائب الأمور ان القرية التي ازورها  بين الحين والآخر، على ضفاف الفرات، اصبحت تشتري كل شيء تقريبا من المدينة. تشتري البيض والزبدة والحليب والخيار والطماطم والفجل والكراث ومعجون الطماطم. تشتري البصل والرقي والقثاء والفاصولياء والجبن والقشطة. تشتري البرتقال والتين والعنب والتفاح، رغم انها لا تبعد سوى كيلومتر واحد عن خيط الفرات الرفيع. نعم صرنا نشتري كل شيء. rnشحة الماء في الفرات لم تكن هي فقط العائق أمام خضرة الضفاف، فالمياه الشحيحة بحاجة الى مضخة مياه تجلبها من النهر. والمضخة تشتغل عن طريق الكهرباء، وهذه مثل قمر ايلول لا تزور الأرض الا مرة واحدة كل سنة. والبحيرة الضخمة التي امتدت ذات عقد خلف سد حديثة جف ماؤها، ولم تعد ثمة قطرات زائدة تتسرب الى خارج السد. تعطلت المولدات الكهربائية، ودخل نصف البلد في دوامة تلاشي الماء وموت الكهرباء. الجميع يتفرج. والجميع ينتظر ما تجود به الدول المجاورة من دفقات مائية قد لا تصل هور الجبايش. وربما تختفي عند بحيرة الثرثار، او تضيع في المسافة الواصلة بين النهرين، أي في الذراع القصير المسمى ذراع دجلة.. ونتيجة لكل ذلك تتحسب وزارة الهجرة والمهجرين، بالتأكيد، لنزوح الشعب الى بلدان أخرى. وزارة الخارجية من جانبها ستصدر بيانات احتجاج على حجز المياه عنا، نحن الذين لا حول لنا ولا قوة، وننتظر رحمة الأشقياء. والحكومة المبجلة تنتظر الأمم المتحدة أن تواري هذا البلد الثرى، دون أسف. وستجلب مدونين ليكتبوا على الشاهدة: هنا  ترقد بلاد الرافدين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

على قاعة الجواهري.. ادباء العراق يؤبنون الباحث التراثي الراحل باسم حمودي

بيت المدى ومعهد "غوتة" يستذكران عالم الاجتماع د.علي الوردي

تقرير: "تهيج العين" قد يكون من أعراض الإصابة بالسرطان

مهمة في واتسآب بأجهزة أندرويد

ملتقى الأطفال.. مساحة ثقافية تحتضن صغار الموصل لتنمية عقولهم

مقالات ذات صلة

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

متابعة/ المدى جاء العراق في المرتبة الثانية بعد مصر، باستيراد الشاي الهندي خلال الربع الاول من العام الحالي. ووفقاً لوزارة التجارة الهندية، فقد شهدت صادرات البلاد من الشاي ارتفاعاً ملحوظاً في الأشهر الأربعة الأولى...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram