TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

نشر في: 21 نوفمبر, 2011: 07:07 م

آية الله السيد عمار أبو رغيف |  5  | أما قضية اعتباطية الوضع والدلالة أو انبثاقها على أساس حيثيات، فقد أكد النائيني أن إقامة الارتباط بين الألفاظ والمعاني لا تتم على أساس الترابط الطبيعي كما هو اتجاه المذهب الذاتي في تفسير الوضع، ولكنها لا تتم أيضا بصورة اعتباطية، مستنداً في ذلك إلى قاعدة استحالة الترجيح بلا مرجح. ولاستيضاح واستيفاء البحث في ما طرحه المحقق النائيني وفي قضية اعتباطية الوضع اللغوي أو قصديته ستكون لنا فرصة في القادم من فقرات هذه الدراسة.
لكن المهم هنا أن نحاول فهم الفرضية التي ذهب إليها النائيني في تفسير الطريقة التي يتم عبرها التدخل الإلهي في بناء صرح النظام اللغوي وإقامة العلاقات بين الدوال والمدلولات اللغوية. والفرض الذي أكده النائيني في المقام هو أن الله تعالى يلهم البشر عملية استخدام ألفاظ خاصّة عند إرادة معان خاصة، على تنوع هذا الكائن، فالإلهام الإلهي متنوّع تنوع الناس.استقرب بعض المحققين الأصوليين فرضية النائيني ، ولم يستبعدها بعض منهم ، لكنهم فرضوا أن الله تعالى ألهم الإنسان الأول اللغة بمفرداتها ونظامها، ثم أخذت اللغة تتحرك في حياة الآدميين وفق سنن الاجتماع البشري وقوانين التلقي والتعلم الإنساني. ونموذج هذا الاتجاه نجده في كلمات أستاذنا الشهيد محمد باقر الصدر، حيث قال: (نحن لا نملك برهاناً قاطعاً على نفي اتجاه إلهية الوضع وأن الوضع ونشوء ظاهرة اللغة في حياة الإنسان كان من صنع نفسه مئة بالمئة. بل من المحتمل أن تكون قد بدأت هذه الظاهرة في حياة الإنسان أول ما بدأت بتدخل وعناية من الله سبحانه وتعالى، بأن يكون قد ألهم آدم فعلمه الأسماء والألفاظ وكيفية استخدامها في مجال نقل أفكاره وخواطره إلى الآخرين ، بل فرضية الإلهام بأصل اللغة لعلها هي المناسبة مع ما هو الملاحظ في جملة النصوص الدينية التي تؤكد أن الخليقة الأولى من البشر – آدم وزوجته – كان على معرفة واطلاع بالغة مكنتهما من الحوار والتفاهم في ما بينهما قبل أن يهبطا إلى الدنيا ويمارسا نشاطهما الطبيعي والاجتماعي فيها، وهذا من المستبعد جداً أن يحصل من دون افتراض إلهام رباني كان بذرة في طريق نشوء هذه الظاهرة بعد ذلك في حياة الإنسان).ليس لدي شك في أن النصوص الدينية تلعب الدور الأساس في فرضية الشهيد الصدر، إذ أن نظريته في تفسير الوضع على أساس القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى لا تستدعي فرضية أن يكون الله هو الواضع، وهي تتجاوز – كما ذهب رحمه الله – كل المبعدات التي طرحت بشأن بشرية نشأة اللغة. سنأتي على درس وتقويم نظرية (القرن الأكيد) في تفسير الصلة بين اللفظ والمعنى، وسنقف أيضا عند قضية النصوص الدينية بدءاً من النص التوراتي لنستجلي الموقف منها.غير أن المهم هنا أن نعود إلى فرضية (الإلهام الإلهي) وأن الله تعالى هو الذي يلهم اللغة لبني البشر، لنرى أولاً جدارة التفسير الذي ذهب إليه جمع من الأصوليين، والذي قرّر – كما تقدم – أن الله علَّم البشر في بداية الخليقة اللغة، التي تفي بالاتصال بين الآدميين، ثم أخذت اللغة تتطور وتنمو وفق معطيات حياة البشر وقوانين وجودهم.إن فرضية التدخل الإلهي في إقامة النظام اللغوي بشكل أولي مبسط للخليقة الأوّلى، ثم ترك قوانين الاجتماع والنفس الإنسانية تلعب دورها في إكمال مسيرة اللغة نظاما ومفردات لا تتلاءم مع اتجاه النائيني، إذ نصَّ النائيني على بعض المسوغات التي دفعته الى تأكيد أن الفرض الوحيد المعقول هو أن الله ألهم الإنسانية اللغة ووضع الألفاظ للمعاني، والمسوغات  وتفسير النائيني لانتهاء كشف الألفاظ عن معانيها إلى الله تعالى يأبيان الفرض الذي رجحه الأصوليون المتقدم ذكرهم.فعدم تناهي المعاني والألفاظ لا يُحدُّ بلغة من اللغات ولا يقتصر على عصر أو جيل من الأجيال، ومن ثم لابد من أن يكون الإلهام مستمراً على طول العصور اللغوية، وعلى مختلف لغات بني البشر. ثم إن النائيني فسّر مذهبه بكون الله تعالى هو الواضع قائلاً: (فلابد من انتهاء كشف الألفاظ لمعانيها إليه تعالى شأنه بوجه، إما بوحي منه إلى نبي من أنبيائه، أو بإلهام منه إلى البشر، أو بإبداع ذلك في طباعهم، بحيث صاروا يتكلمون ويبرزون المقاصد بالألفاظ بحسب فطرتهم ، حسب ما أودعه الله في طباعهم)، من المؤكد أن فرض الوحي إلى نبي من الأنبياء يعني الوحي بكل لغة من اللغات إلى نبي من الأنبياء، ليخبر قومه بالألفاظ والمعاني التي لا تتناهى، وفرضية أن يكون الواضع (الله تعالى) قد أوحى بكلّ اللغات أو بلغة واحدة تشكل أُمّاً لكل اللغات إلى نبي واحد لا ينسجم مع المسوغ الذي حدا النائيني إلى القول بكون الواضع هو علام الغيوب، الذي يعرف ما لا يتناهى من الألفاظ والمعاني، إذ عدم قدرة استيعاب ألفاظ اللغة ومعانيها اللامتناهية يصدق في كل لغة من اللغات، ومن ثم ليس بإمكان أي جماعة بشرية أن تستوعب وتتعلم مالا يتناهى من المعاني والألفاظ .وبتعبير أوضح: إن اللاتناهي في الألفاظ والمعاني لا يفرض علينا الصيرورة إلى فرضية ((التوقيف))، في وضع اللغة، لأن ما يتطلبه كل جيل وكل اُمّة من اللغة هو ما يستطيع هذا الجيل استيعابه من مفردات ومعان وهو أمر متناه محدود بحدود حاجات البشر، وهذا لا يتطلب أن يكون الواضع هو (علام الغيوب). مضافا إلى أن فرضية الوحي لكل نبي من الأنبياء بتعليم قومه لغة من اللغات تتنافى مع ظاهر النص القرآني القائل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram