بغداد/ نورا خالدrn تصوير/ سعد الله الخالديrn يبدأ محمد عمران عمله منذ الصباح، بسيارته التاكسي ويجول بها في شوارع بغداد، باحثاً عن رزقه وسط كم هائل من السيارات، حينما ركبت معه بدأ حديثه بالقول: اعمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشرين عاماً، بعد ان كنت اعمل في مهن أخرى، ووجدت في هذه المهنة متعة كبيرة
لأنها في تماس مباشر بالناس وأشبهها بالمدرسة التي تعطي للدارس فيها كثيراً من الخبرة والمعلومات.. حاولت الانشغال عنه الا انه لم يتركني واستمر في حديثه، شارحاً لي طبيعة العمل الذي شبهه بالمدرسة: مثلاً تستطيع معرفة الأحوال المعيشية للناس من خلال الحديث معهم والدخول في تفاصيل حياتهم، التي تكون أحياناً غريبة وغير مألوفة، ولاسيما في حالات الحروب التي عادة ما تكون صعبة. قلت مع نفسي لأستثمر وجودي معه وأعمل موضوعاً يفيدني في عملي الصحفي، وأتبادل الحديث معه عن أيام التفجيرات، والمناطق الساخنة كيف كان يدخل اليها، وهل كان يتعرض الى مضايقات وما الى ذلك؟ سألته هل كنت في بغداد قبل ثلاث سنوات أيام التفجيرات والوضع الأمني المتردي؟ فأجابني: نعم كنت في بغداد، ولم أغادرها لحبي الشديد لها، ولكوني ولدت وكونت علاقاتي فيها، واعرف دروبها جيداً. واستطرد في كلامه: مرة كنت أسير في شارع السعدون بسيارتي، فركب معي أحد الأشخاص لا وصله الى الكرادة، وبعد أن وصلت قرب فندق الشيراتون حدث انفجار في المكان الذي ركب فيه معي الشخص المذكور.فحمدت الله على نجاتي وبكيت من أجل الشهداء الذين ذهبوا ضحية الانفجار.ويضيف بحسرة: لقد مضت تلك الأيام الى غير رجعة، ورغم ذلك لا أنسى اللحظة التي تم فيها إنزالي من السيارة، واقتيادي الى مكان مجهول، وهنالك شعرت بأن أجلي قد دنا لا محالة، ولا أعرف من أين جاءت قوة عسكرية عراقية وألقت القبض عليهم وأطلقت سراحي.بعد انتهاء هذه المعاناة وتحسن الوضع الأمني، بدأت معاناتنا من الزحام الذي تشهده الشوارع، بسبب كثرة السيارات وكذلك السيطرات العسكرية التي تحد من تدهور الوضع الأمني. وبقي محمد عمران يسرد يومياته مع الشارع والزحام والتفجيرات وبعض الثمالى الذين يمتنعون عن دفع الأجرة. شر البلية ما يضحك هكذا قلت له، قبل أن أسأله: هل تمر عليك مواقف طريفة؟ ابتسم بمرارة وقال: المواقف الطريفة كثيرة، وتكاد تحصل باستمرار، منها كنت قد وضعت تلفوني النقال على (الدشبول) وركبت معي امرأة جميلة وبدأت تتكلم عن الحب والغزل وما الى ذلك، وعندما وصلت الى المكان الذي تريد، أعطتني ورقة نقدية فئة (25الف دينار)، ولم أكن أملك (خردة) فنزلت من السيارة وذهبت الى أقرب دكان لأحصل على الـ (خردة) ثم عدت الى السيارة وأعطيتها الباقي ونزلت وبعد ما سرت قليلاً اكتشفت انها أخذت تلفوني النقال معها. وأتذكر حالة أخرى عندما ركب معي شخص ما وهو يحمل مجموعة أكياس ووضعها في الحوض الخلفي للسيارة، فبعد ان أوصلته الى المكان المطلوب، نزل من السيارة ويبدو أنه نسي أحد الأكياس، وحينما صعد راكب آخر التفت الى الحوض الخلفي، وصاح بعد أن رأى الكيس: مفخخة مفخخة. وفتح الباب ورمى بنفسه، فما كان مني الا أن أوقفت السيارة، في ركن بعيد من الشارع طالباً من المارة والسيارات الابتعاد عن سيارتي، فقطع الشارع وجاءت سيارة عسكرية مهمة أفرادها تفكيك العبوات الناسفة، وقاموا بفحص السيارة من كل مكان، ونظر أحدهم اليه ومد يده الى الكيس وحينما فتحه ضحك وهو يخرج عدداً من البرتقالات منه.
يوميات سائق تاكسي
نشر في: 29 سبتمبر, 2009: 11:45 م