حسين عيد أهمية العنوانإذا رجعنا إلى المعجم الوسيط، نجد أن عنون الكتاب: كتب عنوانه، وأن العنوان: هو ما يستدل به على غيره، ومنه عنوان الكتاب. أي أنه يدل من ناحية على ما يتضمنه من (نصوص)، وهو من ناحية أخرى يحمل واجهة لها . هو من جانب يدل على ذات (الكاتب/ المبدع)، ومن جانب آخر يخاطب (القارئ)؛ الطرف الثاني (المكمل) للمبدع. وكأن العنوان يوازن بين طرفين: مسؤولية الكاتب عما أبدع، وتأويل القارئ لما يحمل ذلك العنوان من معنى.
كأن هناك علاقة جدلية تتجاذب العنوان بين (دوافع) الكاتب الكامنة وراء الإبداع، و(إغراء) القارئ بمتعة تنتظره فيما لو أقبل على القراءة. وكلما برزت دوافع الكاتب وبدت دانية في العنوان، قل الإغراء ونفر القارئ. وكلما تناءى الكاتب وتوارت أصابعه، انفتح النص وازداد إغراء للقارئ! أسلوب تقليدي إذن ، كيف ( يختار ) الكاتب عنوان مجموعة قصصية؟! هناك أسلوب (تقليدي) جرى العرف على استخدامه، لاختيار عنوان مجموعة قصصية يقوم الكاتب بإعدادها للنشر، وهو أن يقارن بين مختلف القصص المنتقاة ، ويختار من بينها ما يراه (الأنسب) من وجهة نظره. وقد يرجع التفضيل إلى (هوى) معين في نفس الكاتب نحو قصة معينة، أو إلى ما حظيت به قصة معينة من (شهرة)، جعلت عنوانها يشيع وينتشر، فيحاول الكاتب باختياره عنوانها أن يوظف ذلك النجاح من أجل ترويج المجموعة، وهو ما فعله يوسف إدريس، للمثال، حين اشتهرت قصة (أنا سلطان قانون الوجود) وذاع أمرها، حين نشرها للمرة الأولى في جريدة (الأهرام) بتاريخ 24 نوفمبر 1972، وكانت حول واقعة (حقيقية) اغتال فيها أسد من السيرك القومي مدربه محمد الحلو، فإذا بيوسف إدريس –كفنان كبير– يفسر تلك الواقعة (المحدودة) على ضوء ما يحدث في المجتمع الكبير من تحولات، فحققت القصة ذيوعا وانتشارا بين القراء، وهو ما جعله يتخذ منها (عنوانا) لأحدث مجموعة من القصص أصدرها بعد ذلك عام 1980. وهو نفس ما فعله بهاء طاهر في أعقاب نجاح قصة (بالأمس حلمت بك) بعد نشرها في مجلة (إبداع)، حين وظف ذلك النجاح من أجل ترويج أحدث مجموعة قصصية أصدرها بعد ذلك في عام 1983 ، بمنحها نفس العنوان. وقد يتدخل (الناشر) أحيانا، كصاحب مصلحة أيضا، باختيار عنوان آخر من بين عناوين قصص المجموعة، يراه بحكم خبرته أنه الأنسب من ناحية ترويج الكتاب تجاريا! في كل تلك الحالات، يبدو ذلك الأسلوب سهلا (تقليديا)، لكن يؤخذ عليه أن العنوان فيه يشير إلى قصة (واحدة) بعينها، بينما تحتوي المجموعة على قصص أخرى بخلافها. وعلاج ذلك القصور، يكون بالإفادة مما تتبعه مجموعات القصص (الأجنبية) في عناوينها، حين تجعل القصة المختارة في عنوان الكتاب، على أن تتبعها جملة (وقصص أخرى)، وبذلك يكون عنوان المجموعة (دالا) على ما تحتويه من قصص! وحدة عالم القصص هنا، قد يثور سؤال.. هل هناك عنصر (حاكم)، عند اختيار عنوان مجموعة قصصية جيدة؟! إجابة هذا السؤال لا ترتبط أبدا (بالكم)، بمعنى أنه كلما توافر عدد معين من القصص لدى الكاتب كان ذلك مبررا للإقبال على نشرها في كتاب، بل لابد (أولا) من توافر شرط ضروري في تلك القصص حتى تصلح أساسا في تكوين ركيزة يختار من بينها قصص المجموعة. ذلك الشرط هو أن تكون قصصا جيدة، بمعنى أن يكون الدافع إلى كتابتها وجود ضرورة حياتية فرضت حتمية تناولها، مع اكتمال دورة الإبداع في إنتاجها. فإذا توافر ذلك الشرط، عندئذ يبرز العنصر الحاسم في الاختيار من بينها، وهو (التجانس) بين القصص المختارة للمجموعة، بما يحقق لها وحدة فنية، لأن الأصل في الكتاب أنه رسالة موجهة إلى (قارئ) خاص، بحيث توفر له قدرا من (المتعة) أثناء القراءة، من خلال تجانسها أو وحدتها الفنية، بما يتيح له أن يلج عالما فنيا متسقا، وأن يتجول بين أرجائه مستمتعا! فإذا توافرت أمام الكاتب مجموعة قصصية جيدة، متجانسة فنيا، أصبح الطريق ممهدا، لاختيار (عنوان) لها بأكثر من أسلوب. قد يستمد الكاتب عنوان مجموعته من (وحي) وحدة عالم تلك القصص ، كما فعل الكاتب الراحل صلاح حافظ مع مجموعته القصصية الأولى (أيام القلق) (1976)، وهو ما فسره في تصديره للمجموعة بالكلمات التالية "في كتاب حياة كل إنسان فصل بعنوان (القلق) وقد يشغل هذا الفصل صفحة واحدة أو يشغل الكتاب كله، ولكنه – كالميلاد والموت – لا مفر منه!". ثم استطرد في ذات التصدير، قائلا "والقصص التي على الصفحات التالية بعض ثمار هذا القلق.. نمت في تربته ، وشقت الأرض لترى الشمس أول مرة في أيامه..".وقد يرى الكاتب ضرورة فنية لتفسير اختيار عنوان المجموعة، الذي استوحاه من وحدة عالمها، كما سبق أن رأينا مع مجموعة (امرأة ورجل) (1996) للكاتبة البحرينية فوزية رشيد، التي تمحورت قصص مجموعتها الاثنتي عشرة جميعا حول العلاقة بين الرجل والمرأة، فكان عنوان (امرأة ورجل) مناسبا تماما لها. كما قد ينصرف التجانس أيضا إلى وحدة عالم (شخصيات) قصص المجموعة، مثال ذلك ما رأيناه مع التونسي صلاح الدين بوجاه، حين جعل من مجموعته (سهلا) بين تلك الشخصيات التي كانت من الغرباء ، فكان مناسبا أن يطلق عليها عنوان (سهل الغرباء) الذي كان مناسبا تماما لها!ابتكار عنوانقد يبتكر الكاتب أسلوبا جديدا لاختيار عنوان مجموعة قصصية جديدة، كما فعل بهاء طاهر، حين اتخذ من فقرة الافتتاح الأولى لقصة (فرحة) &n
إشكالية اختيار عنوان مجموعة قصصيّة
نشر في: 22 نوفمبر, 2011: 07:22 م