ميسان / رعد الرسامفي جلسة مقهى جمعتني مع مجموعة من الأصدقاء بضمنهم موظفون حكوميون ومتقاعدون ، رمقني صديقي ابو ياسمين الذي دأبت على ممازحته ، بنظرة ثاقبة مستنكرة من خلف نظارته الطبية فيما ارتسمت على وجهه ملامح الاستغراب المشوب بالانزعاج حين سألته عن موعد إحالته إلى التقاعد، مكتفيا بالرد بلهجة عامية (فال الله ولا فالك ، يمعود بيش تطلبني ) ..
تخوف صديقي من التقاعد عن العمل غدا هاجسا يوميا مزعجا تعيشه شريحة واسعة من موظفي الدولة الذين اقترب موعد إحالتهم على التقاعد لإكمالهم السن القانونية او سنوات الخدمة المحددة لذلك ، وكثير من هؤلاء يحاولون مخادعة أنفسهم ويتمنون ان تتوقف الأرض عن الدوران ويتوقف الزمن كي لا يشهدوا يوم الإحالة على التقاعد الذي يصفه جلهم باليوم المشؤوم الذي يقرع فيه جرس ختام مشوار الحياة العملية وبداية ايام الموت البطيء الموزعة بين جدران البيوت وأرائك المقاهي .كريم جاسم ،الموظف في أحدى الدوائر الرسمية ولديه خدمة قاربت 28 سنة قال لـ "المدى" ان مبعث هواجس أقرانه من الموظفين القدامى هو ضآلة الرواتب التقاعدية التي سيتقاضونها بعد سنوات أفنوها في خدمة الدولة بحسب وصفه مضيفا " بالرغم من انني والحمد لله امتلك دار سكن متواضعة تؤويني وعائلتي المكونة من 7 أفراد وبالتالي لا ادفع نصف راتبي للإيجار كبعض زملائي الموظفين ، فان الراتب الذي أتقاضاه حاليا بالكاد يسد متطلبات الأسرة في ظل ارتفاع السلع والخدمات، لذا فانا غالبا ما يشغلني التفكير بالكيفية التي سنعيشها في حال إحالتي على التقاعد بربع راتبي الحالي ". من جهته علق الموظف ابو سلمان على مقدار الراتب التقاعدي الذي سيتقاضاه الموظفون بعد سنوات خدمتهم الطويلة بالقول " الحكومة ترمينا للعطالة بدراهم معدودة " مشيرا الى ان الغالبية العظمى من صغار الموظفين يصلون لمرحلة التقاعد بلا رصيد مالي معتبر يمكنهم من افتتاح مشروع عمل جديد كون الراتب الوظيفي قليلا ، ناهيك ان معظمهم يخرج من الخدمة الطويلة بحزمة من الأمراض المزمنة وبجسد منهك لا يقوى على تحمل جهد العمل في ميادين جديدة بحسب وصفه . فيما قال عديد الموظفين الذين تماثل أوضاعهم أوضاع كريم وابو سلمان أن ما يشغل تفكيرهم بخصوص الإحالة إلى التقاعد عدا محدودية الراتب هو كيفية قضاء الوقت ، في مدينة تفتقر لمرافق الترفيه كمدينة العمارة ، و يقول الموظف علوان جبير إن زملاءه الذين تقاعدوا قبل اشهر يقضون نهاراتهم بين التسكع في الشوارع والأسواق أوالجلوس في المقاهي ولعب الدومينو متابعا " بالتأكيد ستكون حالي مثل حالهم بعد احالتي للتقاعد ، فهنا لا يوجد مركز اجتماعي او ترفيهي خاص بالمتقاعدين والمدينة تفتقر لأماكن الاستجمام كما اننا لا نملك المال اللازم للسفر الى الخارج والسياحة في بلاد العالم المتحضر او افتتاح مشروع عمل كما هو حال القلة من المتقاعدين من ذوي الدرجات الوظيفية العليا " من جهته طالب صباح النصيراوي الحكومة بشمول المتقاعدين بالتأمين الصحي وافتتاح جمعيات استهلاكية خاصة بهم مع رفدها بالسلع والبضائع المدعومة .الكثير من أمثال هؤلاء الموظفين الذين يؤرقهم هاجس التقاعد ، يشككون بمصداقية تصريحات مسؤولي الجهات المتخصصة في الحكومة بشقيها التشريعي والتنفيذي فيما يخص الوعود بزيادة رواتب المتقاعدين ، احد الموظفين وصف تلك الوعود بالمخدر لإلهاء المتقاعدين وإسكات اصواتهم المطالبة بزيادة الرواتب التقاعدية مضيفا " منذ فترة طويلة ونحن نعيش على أمل ان ينفذ المسؤولون في الحكومة الوعود التي دأبوا على اطلاقها بين الحين والآخر بخصوص زيادة الرواتب التقاعدية وحتى لو تحققت فنحن نتوقع ان تكون زيادة بسيطة لا تلبي الطموح ، نحن نطالب بان يحتسب الراتب التقاعدي على أساس نسبة 80% من الراتب الكلي لا من الاسمي فقط كما هو معمول به الآن".
موظّفون على حافة التقاعد: نعيش هاجس ضآلة الراتب

نشر في: 22 نوفمبر, 2011: 10:02 م