علاء حسن العراق ربما يكون هو البلد الوحيد في المنطقة تلاحقه لعنة الجغرافية، منذ مئات السنين بدءا من غزوات المغول والاحتلال التركي ثم البريطاني فالأميركي، وبين هذه المراحل سنوات طويلة من الحرمان وتردي الأوضاع المعيشية بفعل سياسية أنظمته وحكوماته، واللعنة لم تقف عند حد معين، فشملت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية، ولذلك أصبح العراقي حاد المزاج يستخدم نبرة الصوت العالية لإبداء رأيه، لكنه احتفظ بطيبته وكرمه على الرغم من كونه يعيش تحت خط الفقر.
اليوم وفي ظل النظام الذي يوصف بالديمقراطي والمنفتح على جميع دول العالم في اطار تعزيز علاقات التعاون المشترك وتحقيق مصالح الشعوب، يعاني العراق تدخلات دول الجوار في شؤونه، ومن يتابع تصريحات المسؤولين والسياسيين يخرج بنتيجة تؤكد أن إيران والسعودية وتركيا تغلغلت في الشأن العراقي، وأصبحت مؤثرة على أصحاب القرار، فكشفت هذه "الورطة الجديدة" عن مظهر آخر للعنة الجغرافية، فالكويت تريد إنشاء ميناء مبارك، وتركيا تهدد بقطع نهري دجلة والفرات وتمنح المياه بمزاجها، والسعودية تصدر الإرهابيين عبر الأراضي السورية إلى مدن العراق الغربية، والأردن تخضع العراقيين في مطارها لاستجواب يستمر ساعات للاستفسار عن الانتماء المذهبي، وإيران فاقت الجميع بالتغلغل وفرض الهيمنة واتساع النفوذ على حد قول نواب في قائمة إياد علاوي.التدخل الاقليمي في الشأن العراقي أصبحت عبارة جاهزة يرددها القادة السياسيون من رؤساء الكتل النيابية المشاركة في الحكومة، فأعطوا انطباعا عن حكومتهم، بأنها مقسمة بين السعودية وتركيا وإيران، وبإمكان إضافة دول أخرى وليس في ذلك أي حرج، استنادا إلى ما قيل سابقا بأن الكثير من القوائم الانتخابية التي شغلت مقاعد في مجلس النواب الحالي، تلقت مبالغ مالية طائلة من دول الجوار، وهنا تكمن لعنة الجغرافية.قادة العراق السياسيون وباستثناءات محدودة يمضون اكثر أيامهم في عواصم عربية، وبعضهم يقوم بزيارات مكوكية بين بغداد وطهران او انقرة او الكويت او الرياض، او الدوحة التي دخلت هي الأخرى على الخط مؤخرا، لتسهم بشكل فاعل في لعنة الجغرافية على العراقيين، وجعلهم يعيشون في دوامة صراعات مذهبية وطائفية وقومية، فأصبحوا أكثر شعوب المنطقة تناحرا بفضل مواقف نخبهم السياسية التي لم تتفق اليوم وغدا على تحقيق المصالح الوطنية، وفي مقدمتها الطلاق بالثلاث لدول الجوار، والتخلص من مخططاتها ومؤامراتها. من المستحيل أن يكون العراق في جزيرة منعزلة ليتخلص من لعنة الجغرافية، والحد نهائيا من مظاهر التدخل بشؤونه، وأمامه فرصة وحيدة لتحقيق العزلة، وبعد انجاز الانسحاب الاميركي، يجب أن يضع كل الحواجز الكونكريتية في العاصمة بغداد على حدوده، ومنع أصحاب هواية "الخري مري" من زيارة العواصم المجاورة، وبهذا الأسلوب، سيتخلص العراقيون من لعنة الجغرافية إلى الأبد.
نص ردن :لعنة الجغرافية
نشر في: 23 نوفمبر, 2011: 08:24 م