TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > باب الطلسم العباسيّ حاضر على باب بغدادي تراثي

باب الطلسم العباسيّ حاضر على باب بغدادي تراثي

نشر في: 25 نوفمبر, 2011: 06:14 م

شاكر لعيبيمن النادر اليوم اللقاء ببابٍ بغداديّ عتيق. بعض الصور الفوتوغرافية القديمة يمكن أن تمنح تصوُّراً عن طبيعة الأبواب البغدادية قبل قرن من الزمن على الأقل، ولا بد من أن تكون هذه امتداداً للأبواب السائدة في المدينة منذ العصور العباسية.هناك دلائل ثمينة على ذلك منها صورة لبابٍ ما زال قائماً اليوم في أحد أحياء بغداد الشعبية.
هذا الباب ذو الظلفتين الخشبيتين يحتوي على مطرقتين معدنيتين دائريتين، ضاع أو تلف الجزء السفلي من اليمنى منهما. وفي أعلى المطرقتين قوس مدبَّب Pointed Arch رباعي الزوايا، يُسّمى أيضاً بالقوس العثماني، مصنوع من مادة الخشب نفسها. وفي قمة القوسين حُليتان تزيينيتان على شكل أوراق النخيل التي طالما ظهرت على الأبواب الخشبية البغدادية التي نعرفها. القوس المدبّب المذكور أقرب، من جهة أخرى، للجزء العلوي من محراب جامع الخاصكي الشهير  المنحوت من قطعة واحدة من الرخام الأصفر، المجوف ومحاريّ الشكل، وفيه نقش مروحة نخيلية.أعلى ظلفة الباب حُلي تزيينية أخرى على شكل منجّمات خماسية، معمولة بالآجر، وفي أعلاها قوس مدبّب معماري مصنوع بالآجر العراقي. ما يثير الانتباه في الباب البغدادي وجود نقش بارز (رلييف= نحت) أعلى القوس يميناً ويساراً. وهو يمثل حيّتين ملتفتين، تمدان لسانيهما نحو حيوانين لعلهما أسدين. ومن دون شك فأن هذه الحيّة من أصل مغولي، وهي اختصار للرمز الصيني التقليدي (التنين) الذي ظل محفوراً في الذاكرة الثقافية لسكان بغداد المنحدرين من أصول مغولية أو سلجوقية أو عثمانية.التنين (Dragon) من الكائنات الأسطورية الآسيوية، وهو ذو شكل أفعوانيّ أو شبيه بالزواحف. ورغم ارتباطه بقوى الطبيعة، فإنه ليس عدائياً، فهو في الصين واليابان وكوريا وفيتنام أداة مادية ورمزية للتعبير عن المناخ والسلطة والتبجيل. وللتنين شعبية خاصة في الصين. كان التنين ذو المخالب الخمسة رمزا لأباطرة الصين، جوار طائر العنقاء رمز الإمبراطورة الصينية. يعود أصل التنين الأفعوي الشكل، حسب مجلة قنطرة، إلى الشرق الأقصى "وكان انتقاله إلى الشرق الأوسط عن طريق الشعوب الرحّالة القادمة من آسيا الصغرى. يدل وجود هذا الحيوان فوق العديد من الأبواب، بسبب صفاته التعويذية، على فكرة العبور من الخارج إلى الداخل. وهو يحمل منذ العصور القديمة دلالات فلكية مرتبطة بالدورة القمرية والخسوف والكسوف. ويجسّد جوزهر، الكوكب المتسبّب في تلك الظاهرة. وهذا بالضبط ما يجعله يظهر دائما إلى جانب أشكال شمسية أو قمرية".يظهر التنين في الفن الصينيّ بالطبع، وسوف يحضر لاحقاً في الفن الإسلامي على تحف ومنمنمات عديدة، وعلى مقابض ومطارق الأبواب في إيران والعراق وتركيا والجزيرة، ومنها على سبيل المثال مقرعة الباب التي يُعتقد أنها أنجزت في  تركيا أو منطقة الجزيرة في بداية القرن الثالث عشر الميلادي، وهي من البرونز المصبوب في قالب، وعليها زخرفة منقوشة (الارتفاع 27،5 سم؛ العرض 24،5 سم، كوبنهاغن، Davids Samling دافيدس ساملنغ، رقم الجرد 38 / 1973).بغض النظر عن مشكلة التحريم والكراهية للتجسيم في الفقه الإسلامي، فإن نحت الباب البغدادي الشعبي موصول بشكل صريح بما كان موجوداً على باب الطلسم العباسبي. والأخير إحدى بوابات الرصافة، شُيّد في العصر العباسي المتأخر. وهو الباب الثالث من أبواب سور بغداد الشرقية. كان اسمه بالأصل (باب الحلبة) لقربه من موضع الحلبة (أي ميدان سباقات الخيل) قبل إنشاء السور، وكان يجري في هذا الميدان كذلك لعب الصولجان. كان الخليفة العباسي الناصر لدين الله (575-622 هـ) قد رَمَّم أقساماً من السور في أواخر القرن السادس للهجرة ثم قام بتجديد (باب الحلبة) في سنة 618هـ (1221م) وأنشأ برجاً ضخماً فوق هذا الباب، وزيّنه بالكتابات وبصورة الرجل والتنين، ومن هنا عرف الباب بباب الطلسم. أما تسميته بـ (باب الفتح) فقد ذُكر في أخبار حصار بغداد، حيث دخل من هذا الباب السلطان مراد الرابع العثماني في سنة 1048هـ (1638م)، فأُطلق عليه اسم (باب الفتح). ومن أسمائه كذلك (الباب الأبيض) حسب المستشرق البريطاني غي لاسترانج .وقد عُرف الباب في العهود الأخيرة باسم باب الطلسم لوجود صورة فوق مدخل الباب تمثل رجلاً يمسك ثعبانين أو تنينين في جانبه، ظناً من الناس بأن هذا الطلسم كفيل بدفع الكوراث والشرور عن بغداد.قام بإصلاح الباب وترميمه والي بغداد محمد باشا الخاصكي في سنة 1068هـ (1657م) وبقي الباب على هذا الحال إلى يوم 11 آذار 1917 حينما فجّره الجيش العثماني المنسحب أثناء وصول الإنكليز إلى بغداد، لأن الباب كان يحتوي على مخزنٍ للبارود. قبل ذلك كان السلطان مراد الرابع العثماني قد أمر بغلق الباب بالطوب والآجر ليرمز بذلك إلى انتصاره على الصفويين في القرن السابع عشر، والحيلولة دون الدخول إلى بغداد من الجانب الشرقي. اختفى الباب كلياً إلا أساسته الموجودة اليوم بمحاذاة محلة الشيخ عبد القادر الجيلاني. وقد عثرت عليها مؤخراً دائرة بلدية مركز الرصافة بالتعاون مع أمانة العاصمة في المنطقة المحصورة بين ساحة النهضة ومقبرة الشيخ عمر.لم يتبق من الباب سوى بعض الصور الفوتوغرافية، منها ما صوّرته لواجهته جيرتروتد بل Gertrude Bell (1868- 1926)، وأخرى لجهته الحلفية للمصور

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram