TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > زيجة على سرير اللغة

زيجة على سرير اللغة

نشر في: 30 سبتمبر, 2009: 04:49 م

احمد عبد السادةيطمح الهاجس الرئيس لفعل الترجمة الحقيقي الى ان ينقل لنا صورة إذا لم نقل بأنها لصيقة بالعمل المترجم – بفتح الجيم – ، فانها صورة تحاول قدر الإمكان الاقتراب من التضاريس الأصلية لهذا العمل الذي يخضع لازاميل الترجمة، وهذا الفعل الترجمانيّ يحتضن ضرورة قصوى لا غنى عنها،
لانه هو السبيل الوحيد الممكن لنقل رؤى وهواجس وأفكار الأخر الثقافيّ الذي هو في الحقيقة شريك لنا في مملكة الثقافة، ومن دون فعل الترجمة المهم هذا ستبقى ثقافتنا مقضومة وطائرة بجناح واحد، لانّ من المستحيل ان تكتفي ثقافة تريد أن تحيا بشكل عالٍ ومؤثر، أقول من المستحيل أن تكتفي تلك الثقافة بما تنتجه لغتها فقط من دون إقامة زيجات إيجابية مع لغات أخرى.rnهذه الزيجات الايجابية لا تتكفل بعقدها سوى أصابع الترجمة الدقيقة والحريصة والمسؤولة. rnغير ان ما نود ان نؤكده هنا هو ذلك الجانب السلبيّ لعملية الترجمة، اذ يتنكب بعض المترجمين فعل الترجمة بشكل غارق في السلبية، الشيء الذي يسيء للنص المترجم بصورة فادحة ما ينتج بالتالي جناية ذات وجهين، الوجه الأول هو خيانة، بل واغتيال النص المترجم بطريقة تخلو من ابسط ملامح المسؤولية، والوجه الثاني هو تكوين صورة معينة سلبية لدى قراء اللغة التي نقلت اليها الحمولة اللغوية للنص المترجم، الشيء الذي يحجب عن هؤلاء القراء الملامح الحقيقية لهذا النص ويقودهم الى صناعة تقييمات ومواقف ربما لن تكون في صالح النص المسكين الذي لا يعتريه خلل سوى خلل سوء ترجمته، وهذا الشيء أيضا قد يصنع لدى القارئ صورة نهائية وحاسمة عن الإمكانات المعرفية والجمالية للكتاب الذين تمت ترجمة اعمالهم.rnإنّ المترجم – بوصفه عنصراً وسيطا بين كاتب النص وقارئه – يتحمل مسؤولية كبرى في المحافظة – قدر المستطاع – على روح النص المترجم وشروطه الجمالية والمعرفية ليتمكن بالتالي من تذويب المسافة – قدر المستطاع أيضا – بين لغة الكاتب ولغة القارئ لكي يستطيع تقديم صورة مقبولة تمكن القارئ من معرفة ملامح مقاربة للنص الأصلي.rnغالبا ما توصف الترجمة بأنها خيانة أو اغتيال أو انها قبلة من وراء الزجاج، وهذه التوصيفات تنطلق بالطبع من الإحساس بأنّ الترجمة، خاصة في ما يتعلق بترجمة الأدب – الشعر خصوصاً – لا يمكنها أن تنقل، بصورة كاملة، الملامح الإيحائية والسخونة اللغوية الكامنة في لغة معينة الى لغة اخرى، لكن كما اشرنا لا مناص من هذا الفعل الترجمي لانه هو السبيل الوحيد للتواصل بين اللغات والثقافات العدة بشرط المحافظة طبعا على الشروط الجمالية والمعرفية.  rnإنّ ما يذكي الإشارة الى الجانب السلبي من عملية الترجمة هو ما نراه أحياناً من ترجمات هابطة، بل وقاتلة للنص الأصلي بطريقة لا تقبل اللبس والشك مطلقاً، ومثال على هذا النموذج الترجمي السيئ ما رأيته مرة من ترجمة لمجموعة من قصائد بودلير اعتمد فيها المترجم – بشكل فادح – أوزان الخليل بن احمد الفراهيدي، ليقوم بتحويل قصائد بودلير الحداثية الى قصائد عمودية عربية كلاسيكية، الأمر الذي يحوّل – باجتهاد قاتل – بودلير من شاعر عصري مجدد الى شاعر عربي عمودي كلاسيكي ينتمي ربما الى شعراء حقبة الدولة الأموية!!.   rnمن البديهي القول أنّ نموذج تلك الترجمة الكارثية – كترجمة شعر بودلير الى شعر عمودي – يحول المجرى الجماليّ والمعرفيّ والرؤيويّ الواسع للنص المترجم الى مجرى ضيق كفيل بخنق ذلك النص وتشويهه وإرهاقه بالأثقال.rnإنّ عملية الترجمة هنا لا تصبح غير مجدية فقط، بل تصبح كذلك طعنة في قلب النص لما أوقعته من تشوهات في جسد ذلك النص، الشيء الذي يجعلنا نأخذ صورة سلبية عن ما تمت ترجمته، ما يجعل عدم الترجمة أفضل الف مرة من تحويل النص الى جثة ووضعه في تابوت وشحنه الى فضاء لغة أخرى ليتكرر موته باستمرار في عيون القراء. rnان سيادة هذا النوع من الترجمة السيئة لا يجعلنا في غنى عن هكذا ترجمات فقط، وانما يحتم علينا مهمة مجابهتها وفضح جهلها الكبير وخيانتها المباشرة. rnما زلت أتذكر تلك الترجمة المضيئة لرواية ماركيز (الحب في زمن الكوليرا) التي ترجمها المترجم الكبير صالح علماني، فأنت تشعر عندما تقرأ الرواية بترجمتها تلك، بأنك تمشي في حقل من الحروف المضيئة الحية المتقافزة من شدة الرشاقة والجمال، وهذا يقودني طبعا الى ان أتذكر ترجمة أخرى لتلك الرواية ارتكبها مترجم اسمه كامل عويد العامري، اذ ما ان تدخل الى ارض تلك الترجمة حتى تشعر بانك أمام نص مسكين مقتول بخنجر ترجميّ سام.rnلا بد من الإشارة الى ان الكثير من النصوص المترجمة مجنيّ عليها ومظلومة، الشيء الذي يحتم على المترجمين الجادين إعادة ترجمتها وإنقاذها من الظلمة الترجمانية التي تعتريها وتصيب نارها الجمالية بالخمود الحاسم والمستمر.rnمثلا عندما كنت اقرأ أشعار بودلير ورامبو في ترجمة خليل الخوري كان في داخلي إحساس حتمي بان هذا الذي اقرأه ليس بودلير كما يجب ان يكون، وليس رامبو في زيه اللغويّ الحقيقي، فقد كنت اشعر بأن هناك عملية اغتيال ناجحة كانت قد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram