عباس الغالبيلاشك في أن نظرية العرض والطلب غالباً ما تتحكم بطبيعة تعاملات الأسواق على مختلف أنواعها واتجاهاتها ، إلا أن ما يجري في الأسواق المحلية من تعاملات وظواهر وسمات لم تعد مألوفة ومستساغة في الأسواق العالمية الأخرى ، وإن وجدت هنا أو هناك فإنها غير طاغية وليست المعلم الأبرز فيها .
فالبعد السياسي والاجتماعي والديني عادة ما يلقي بظلاله على هذه الأسواق بشكل كبير ويؤثر بطبيعة الحال على منظومة الأسعار التي تتغير صعوداً ونزولاً ، وإن كانت صعوداً في غالب الأحيان ، ويستغل كثير من التجار والمستوردين طبائعهم الاجتماعية والنفسية لاستغلال الفرص سعياً لتحقيق هامش ربح سريع وعال ، تحت ذرائع الإجراءات البيروقراطية للأجهزة التنفيذية .ولكن هذه الطبقة من التجار التي تتحين الفرص لتحقيق هامش ربح عال في ظل غياب الإجراءات القانونية الرادعة تجعل منظومة الأسعار في شد وجذب تتحرك على وفق منحنيات بعيدة عن العلمية وخالية من معاملات الأسواق المثلى التي تتأثر بالأبعاد السياسية والاجتماعية لكن ليس بالحجم الموجود في الأسواق المحلية ، حيث يتطلب الأمر إجراءات مستقاة من تشريعات جديدة وأخرى موجودة إلا أنها غير مفعّلة تتحكم بحركة الاسعار مراعية الظروف المحيطة بها ، آخذة بنظر الاعتبار جميع المؤثرات الاقتصادية الأخرى.ويمكن لأصحاب القرار الاقتصادي أن يتجهوا أولاً إلى تفعيل القوانين الاقتصادية المتعلقة بهذا الأمر كقانون التعرفة الكمركية وحماية المستهلك والإغراق السلعي وحماية المنتج المحلي، وكذلك إجراءات وزارة التخطيط فيما يخص فحص السلع والبضائع الداخلة إلى العراق ومدى ملاءمتها مع المعايير الدولية عن طريق الشركتين الفرنسية والسويسرية المتعاقدتين مع الوزارة.وثانياً تفعيل دور المنظمات الاقتصادية ذات العلاقة كغرف التجارة والصناعة واتحادات رجال الأعمال والصناعات ومنظمات المجتمع المدني الأخرى لتحقيق أكبر قدر ممكن من الوعي الاقتصادي والاستهلاكي بالنسبة للمستوردين والمستهلكين على حد سواء ، ولابد من الإشارة هنا إلى ضرورة إشراك هذه المنظمات في القرار الاقتصادي عموماً والإجراءات المتعلقة بمنظومة الأسعار وحركة التبادل التجاري في الأسواق المحلية ومع الأسواق العالمية أيضا.وثالثاً العمل على إقرار حزمة من التشريعات التي تتعلق بحركة الأسواق وطبيعة الاستيرادات وضرورة التوأمة بين القطاعين العام والخاص ، مع ضرورة الإشارة هنا إلى إعطاء أكبر قدر من الفاعلية والحرية للقطاع الخاص بضوابط محددة ومع خلق المنافسة الحقيقية مع القطاع العام لاسيما إعادة الروح إلى الأسواق المركزية التي تحمل بعداً اجتماعياً واقتصادياً استهلاكياً في المجتمع العراقي وبصورة مغايرة عن طريق اعتماد التقنيات والتكنولوجيا الحديثة وبدعم حكومي سعياً لتحقيق مبدأ المنافسة الحقيقية مع القطاع الخاص الذي يفترض أن يمتلك دور الريادة في هذا الاتجاه.ومن هنا فأن الأسواق المحلية تحتاج إلى إجراءات من شأنها إزالة الخلل في تعاملاتها ومحو التشوهات العالقة بها.
اقتصاديات: جـدلـيـــة الأسـعــار.. وخلل الأسواق
نشر في: 27 نوفمبر, 2011: 07:52 م