وديع غزوان بقيت وتبقى الحريات من أهم المشاكل التي واجهت الإنسان منذ البدايات الأولى لتشكيل الدول. ويزخر التاريخ القديم والحديث بمناقشات ومساجلات طويلة حاول كل طرف تفسير العلاقة بين المواطن والسلطة التي ظلت معضلة خاصة في دول العالم الثالث، بضمنها المحيط العربي والعراق جزء رئيس منه، والذي شهد ثورات وانتفاضات على هذا الطريق آخرها ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن وما يجري في سوريا وقبلها ما حدث في العراق عام 2003.
وإذا كان الخوض في هذا الموضوع بشكله العام يحتاج الى دراسة معمقة ، تؤشر مستوى ما وصل اليه العالم من تقدم في مجال حريات التعبير والرأي علها تجيب عن تساؤلات لا أعتقد أن من السهل الإجابة عليها في ضوء ما وصل إليه العالم من تداعيات من أبرزها هيمنة القطب الواحد وشيوع مفاهيم رأس المال، وما أدى إليه من ضبابية بل غياب العديد من المفاهيم ، فإننا سنحاول المرور على ما حدث بشأنه في العراق في ضوء ما أثارته مسودة قانون حرية العبير والرأي المقدمة إلى مجلس النواب من اختلاف وتباين كبير في وجهات النظر لما فيها من تقييد ونصوص تضيق على هذه الحريات والمطالبة بتعديلها بما ينسجم وما يفترض أن تكون عليه هوية العراق المستقبلية الديمقراطية . ومع الإقرار بما يعيشه العراق من أوضاع لايمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بسنوات ما قبل 2003 ، لكن بالمقابل فإن هنالك كثيرا من الخروقات تجري للمبادئ الديمقراطية بمسميات وأشكال مختلفة من أبرزها العداء للعملية السياسية ما يجبرنا على تذكر ممارسات أنظمتنا "الثورية والتقدمية" وخطط الطوارئ المستمرة لحماية " مكاسب الجماهير " من أعدائها الوهميين . وإذا كانت مسودة قانون حرية التعبير قد ضمّ كما - بيّنت النائبة أشواق الجاف- " إجراءات تعسفية " فإن من جانب آخر يؤكد تعشش عقلية التفرد والهيمنة عند البعض من سياسيينا لحد هذه اللحظة وبقاء ثقافة رفض الآخر ومنعه من حقه في إبداء الرأي، وهي قضية تغافلت نخبنا عنها وتعمدت عدم إيلائها ما تستحق من اهتمام ، وكانت النتيجة عجزها عن إعطاء المواطن أنموذجا حيا يعبر عن الإيمان الواعي والحقيقي بالحريات . قد تكون الأمثلة كثيرة على إخفاقات النخب السياسية في هذا المجال بدءاً من قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وانتهاءً بالعلاقة غير الواضحة بين ما يسمى المركز والمحافظات واتهام كل طرف للآخر بالتجاوز على صلاحياته، مروراً بتعطيل تنفيذ المادة 140 ،وتأخير إجراء التعداد العام، وكيفية التعامل مع المتظاهرين والتقارير المؤلمة عما يجري في المعتقلات ومخالفتها لمبادئ حقوق الإنسان .. . ليس هنا مجال مناقشة قضية حرية التعبير والرأي بالتفصيل لكنها فرصة لنذكر جميع أطراف العملية السياسية بما يرددونه دوماً من أن الديمقراطية والحريات ثقافة وإيمان تسبق القانون وإذا ما فقدنا الإيمان بها فإن كل قوانين الكون تعجز عن ترجمتها إلى الواقع . أخيرا لا أدري إن كان القائمون على إعداد المسودة قد بادروا أخذ رأي أطراف وشخصيات سياسية ليست ممثلة بالبرلمان واستأنسوا برأيها في مثل هذا الموضوع الحيوي والحساس ، أم اكتفوا باجتهاداتهم ؟ وهذه قضية أخرى مطلوب الانتباه إليها ما دامت المسودة لم تناقش لحد الآن .
كردستانيات :مسوّدة قانون حرية التعبير
نشر في: 27 نوفمبر, 2011: 08:40 م