قاسم محمد عباس rnأتذكر العارف هادي العلوي بعد غيابه ،اتذكره بما يعرفه عنه الآخر القارئ ، وأتذكره بما ترك من مدونات وكتب، وبين ما يعرفه هؤلاء وبين ما ترك من آثار ثمة هواجس مضيئة تدعو للتفكير في إعادة النظر في آداب الاستذكار لدينا ، وأعني أدبياتنا في التألم والاستحضار، هل يمكن ان تمنعنا هذه الأدبيات من اعتماد النقد الحق، الحق الذي شغل صاحب الذكرى عمرا وجهدا ومصنفات.
وكم يمكن لهذا النقد أن يصمد أمام تذكر العلوي بأحداث مباغتة في حياته التي نجد أنفسنا نحن الذين عملنا في طريق أهل السلوك متلمسين تلك الاشارات المخفية بين سطور العلوي، كأن تلك الاشارات تواصل عرفاني تؤكد لنا في كل مرة نرثي فيها عاملا من أهل السلوك ان الغروب والمضي والانتهاء كيفما كان معنى غياب هادي بالنسبة لنا يعيننا نحن المأخوذين بخلق أهل السلوك كي نفهم أن حياة كحياة هذا العلوي يجوز أن تفهم على أنها حياة احتمالات يمكن تقصيها في فلسفة قديمة محسوبة بعناية على فلسفة التاريخ. ان ما كتب المؤبنون والمستذكرون عن حياة الراحل وردت كمجموعات لانهائية من الاجزاء المستقيمة المنسجمة مع الاحتمالات المألوفة.فحياة العلوي التي نذرت لقضية كبرى توقفت في لحظة ما من الزمن من زاوية نظر، ولكنها من زاوية أخرى لا يمكن لغياب الصورة أن يوقف تلك الحياة، بسبب ما يشدّنا نحن الذين نقرأ فيما بعد ما صنَّف هذا العارف من مصنفات أهل الطريق أو على نحو أدق أعاد النظر فيها وكتب عنها وأعاد الانتقاء منها ، وهذا هو ما يربطنا بما بعد غيابه، فالأرواح القليلة المعدودة التي يظن أهل الطريق ان الدنيا تقوم عليها ، تنجينا كمجموع لاحق ينظر في آثار هؤلاء هنا في الحياة تنجينا من فكرة أن حياته كانت معروفة ومتداولة للكثيرين ، لكن كما قيل عن أسلافه فإن أحوال العلوي تبقى سراً على أهل العبارة، ما دام هادي احتار وتحير بالاشارة كثيرا ، فأن يختزل الرجل بصورة الزاهد الكاره لزينة الدنيا، أو يختزل بتلك العفة ، أو يختزل بالراكض وراء ثورات الفقراء فإن هذا من تأويل العوام، أما ما يمكن الاستعانة به فأن الكثير من أحواله ستبقى سرا حتى على أهل الطريق من العارفين بالاشارة قبل العبارة. وأنا اتذكر أجد حالي أميل قلبيا لفكرة ان قسما كبيرا من حياته بقي سرا، السر الذي يدعو على الدوام للاحتفاء، وستساعد فكرة السر هذه على تعزيز الامل بالمستقبل، فلم تظهر الكتابات اللاحقة لما بعد موت هادي أي اشارات عن تلامذة يمكن الركون إليهم في ملء الفراغات التي تركتها تلك الاسرار ، فلا مريدين ولا تلامذة لهادي سوى بعض المتألمين من المأسورين بشمائل وأفكار عجزوا عن الالتصاق بجوهرها، فما فهم على انه زهد للعلوي هو تفحص لأحلام رسولية، وما عرف على أنه حالة من التنوير هو حلم بمشية خيلاء لولي عرف أجزاء من السر، لم يكن لهادي أن يتشارك تلك الاسرار مع من كان حوله لأنه أدرك خطأ هذه الفكرة عبر من سبقه من أهل التحقق،وتلمس ان القضية مشاركة إلهية يتناوب عليها شهود معدودون آنيون رغب بشدة في أن يكون منهم . rnقد يعاني قليلا النقاد النفسيون وهم ينظرون في حياة كهذه كي يعملوا بمصداقية علمية في دراسة نتاج وما خلف هادي .. لكن ان نلفت النظر لذكرى مثل ذكرى هادي بعد موته ، فسرعان ما تبدأ هواجس ما فوق شخصية تجتاحنا ونحن نفاجأ بتلك القيمة التي اختزلت بالحزن المرتبط بجدية سلوك وطرائق وحياة هادي ، فأحيانا نتوهم ان الحزن يعيننا على صواب موت من نحب بعد حياة متقشفة، او يساعدنا هذا الحزن على تقديس تلك المحن التي اختارها،لكن ما يجب ان يسعى اليه هو فهم دعوة هادي ، فكرته، صيغة مواقفه ، او حتى يمكن القول أهدافه، هل بإمكاننا اعادة النظر في ما كتب ومحاكمته من جديد بعيدا عما يضفيه الموت من تقديس على افكار الموتى ممن نعرفهم، او من العارفين، او من اهل الطريق،؟ ربما يمكننا ذلك لو اسقطنا بوضوح ما يضفيه الموت من التباسات على عدالتنا ونحن نقرأ ونراجع وننقد ونصوب ما ترك هادي من كتب ومواقف، بل اننا سنظهر اخلاصا واندفاعا حماسيا لتلمس ما لا نعرفه حقيقة عن هادي ، فنحن جميعا اما جمع كبير يوهمنا التباس الموت بأننا عرفنا وفهمنا دعوة هادي العلوي ، واما اقلية نسلك دربا مغايرا لمعرفة الارباكات والتحيرات الفكرية ، وحتى الغموض الذي فوت الفرصة على هادي لفهم الكثير من الجهد العقلاني الذي انتجه الفكر الاسلامي. وهكذا هي الحال على الدوام،ونحن نحاول الفهم ، فمرة هذا الفهم هو تأمل لبطولة وانغماس في تمجيد صاحبها ، او فعل نقدي لحركته اي التاريخ، حتى اننا احيانا ننسى صاحب الذكرى لصالح مجهول آخر . ان النظر في حياة هادي العلوي وهي حياة غنية وليست زاهدة كما يشاع ، لكنه غنى مغاير ، ان النظر في حياة متصاعدة في طريق اهل السلوك يجب ان يمنحنا عودة ناقدة لما كتب ، ولا يجب ان تفهم هذه العودة النقدية على انها نسيان لماقام به من تحفيز للضمائر، بل انه سبر ضمائر الكثير ممن حوله،ولا يزال يشوش رؤيتهم النقدية . لقد مر هادي بتعرجات لا يمكن فهمها الا لو نسينا ان حياته كانت مألوفة ومعروفة للجميع فهذا من قدرة هادي العلوي كعارف على تضليل العوام، فلم تكن حياته واقعيا متداولة او يعرفها الجميع انما هي حياة ملآى بتقوسات ودعاوى روحية اعد لها للوصول الى نقطة لا يعنى بها الكثير، بل لن تسمح مراج
عند قبر العارف
نشر في: 30 سبتمبر, 2009: 05:27 م