TOP

جريدة المدى > غير مصنف > في ذكرى رحيل المفكر هادي العلوي

في ذكرى رحيل المفكر هادي العلوي

نشر في: 30 سبتمبر, 2009: 05:32 م

خالد سليمان rnتعتبر شخصية المفكر العراقي الراحل هادي العلوي من بين الشخصيات الأكثر إشكاليةً في الثقافة العربية والإسلامية والأكثر إختلافاُ في حقول المعرفة الفلسفية والدينية. وهذا ما دفع المستعرب الفرنسي «جاك بيرك» الى اعتباره واحداً من أخطر عشرة مفكرين في القرن العشرين، ووضعه في موازاة سارتر، فوكو، هربرت ماركوز، كاسترياديس، برتراند راسل، سونغ لي، تروتسكي، وأخيراً نعوم تشومسكي.
هذا الرجل الذي جمع بين الدين والفلسفة والمعرفة والسياسة في كتاباته وبحوثه الفكرية النقدية، دخل عالم الفكر والثقافة من مكان منسي وبيئة اجتماعية هامشية مرتبطة بفقر شديد وتخلف ثقافي كبير صنعه برأي العلوي العثمانيون. rnحاولت في حواراتي الطويلة معه في أعوام 1997،1998،1999 التحدث إليه عن طفولته وتأثير المكان عليه، بالإضافة إلى ذلك الفقر المدقع الذي كانت تتميز به «كرادة مريم» مكان ولادته، وهي ضاحية من ضواحي بغداد يقول عنها العلوي: «يصدق على أهلها بالضبط وصف (إنجلز) فلاحين مستقرين لكنهم في حالة إنحطاط». كان هذا الوصف المستعار اختصاراً لسرديات المكان أراد من خلاله العبور إلى ضفة أُخرى وهي ضفة «جميع الخلق» أو الكل المؤتلف في اختلافه وفي الفُقر الكُلي الذي أصبح فيه الفجل مصدراً للتجارة.  بذلك أراد العلوي الحديث عن عموم «الخَلق» حسب تعبيره، والإبتعاد عن الأمور الذاتية التي كانت تشكل بالنسبة له نوعاً من النرجسية لدى الكاتب. رأيت هذا الوصف لتلك المرحلة، أي العقد الأخير من النصف الأول من القرن العشرين، باباً مناسباً للدخول إلى ذاكرته والعودة من خلالها إلى كرادة مريم لإظهار طفولته. سألته عن مستويات ذلك الإنحطاط ومكوناته وأسبابه وكان جوابه كالآتي: «شأنها شأن المدن، فقد امتد التأثير العثماني إلى تلك الضاحية، ومسها حضارياً وحتى انتاجياً. فرغم خصوبة التربة ووقوع الكرادة على ضفاف دجلة، فقد كانت مزارعها كالهشيم المحترق وبساتينها خفيفة متفرقة الشجر. وكانت القيم الموروثة في حالة «البلبلة» والفقر الشديد إلى حد أنهم اعتبروا «الفجّال» تاجراً وكانوا يسمون الفجل «أبو خوصة الذهب» ( كانوا يشدّون باقة الفجل بالخوص) والكادح منهم يضع طبق الفجل على رأسه ويذهب إلى بغداد ليبيعه إلى أغنيائه. والفجل عند «البغاددة  شاويش العشا أي عريف الطعام. rnوحسب رواية العلوي فإن ما كان يأتي للفجّال من طبق الفجل هو رزق يومين، وإذا تأخر عن البيع ثلاثة أيام لم يجد عياله طعاماً. وارتبط ذلك الفقر الشديد بانحطاط الوعي. rnفي عام 1932 وفي تلك البيئة الفقيرة اقتصادياُ وحضارياً، ولد هادي العلوي من عائلة متدينة وكبر مع البؤس والحرمان، عمل والده عاملاُ في البناء، ومات جده المتفقه السيد سلمان عام 1937 أي بعد خمس سنوات من ولادته. تعرف في نعومة أظفاره على شيئين رئيسيين وهما صورة الفقر القاسية في ملامح أُمه ومكتبة كبيرة مليئة بأمهات المصادر الإسلامية  تركها له جده. تظهر ملامح شخصية العلوي في سياق الصورة الأولى من خلال كلمات محدودة لم يضف إليها شيئاً في لقاءاتي معه وهي: « تأثرت طبقياً بوضعي العائلي، عانيت الفقر مع والدتي، مما غرس في وعيي الصغير كرهاً للأغنياء ولدولة الأغنياء». اختصرهذه المرة ايضاً السرد وتفاصيل حياة معذبي «كرادة مريم»  إلى جمل قصيرة ومكثفة، وبدأ يتكلم عن الصورة الثانية المتمثلة في مكتبة السيد سلمان التي أوصلته إلى صدمة مبكرة في حياته وهي أن الإسلام يبيح التملك العام ويسمح بتقسيم الناس على مالك ومحروم وخادم ومخدوم. rnالعثور على صورة طفل في طفولة العلوي هو أصعب الأشياء في أي بحث عنه، لأنه افتقد للطفولة أولاً وتجنب الحديث عنها إن وجدت ثانياً. فرغم كل محاولاتي المتكررة بالتحدث إليه حول ذات الموضوع، أي الطفولة وكرادة مريم، فضل التكلم عن «العلوي» الكبير وأمكنته الكونية التي أصبحت مساحات للمعرفة لديه. وبسبب هذا النزوع الكوني إلى النظر للمكان لم يعتد الإرتياد في حياته اليومية على الأماكن العامة، وأسس لذاته بؤرا مكانية إفتراضية كـ «معرة نعمان» مثلاً. واختار في فترة شبابه مقهى «حسين الحمد» للقاء بالمثقف العراقي شاكر جابر في تلك الفترة ، ولا نستغرب إن سألناه عن مقهى ما في حياته وهو لا يعرف سوى مقهى الكرادة «حسين الحمد» الذي تحدث عنه بأسطر قليلة بعد مشاكسات كثيرة مع ذاكرته وأسئلة مكررة: rn«ما يشدني إلى مقهى محلتنا التاريخي، هو جلساتي مع شاكر جابر وأخي الكبير كاظم وكان بعيداً عن همومنا الثقافية بسبب نزوعه نحو علوم الطبيعة، ولكنه كان يحضر جلساتنا مكتفياً بالاستماع». rn«حسين الحمد» مقهى للطرف أي لأبناء المحلة. هو مكانهم الذي يستريحون فيه من عناء العمل ويتسلون بلعب الدومنة والطاولة «النرد». لم أكن من رواد المقاهي وإنما أخذني إليها شاكر وكاظم. وهكذا فالمكان الذي هو المقهى يصبح عندي المدرسة المفتوحة. وعندئذ يفقد الم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

اعتقال صاحب منزل اعتدى على موظف تعداد سكاني في الديوانية

مقالات ذات صلة

غير مصنف

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

بغداد/ المدىيعرض معرض "إعادة العرض" الفني، الذي يجمع أعمال فنانين عراقيين من داخل الوطن وخارجه، لوحات حية من تاريخ العراق المعاصر.ويسلط المعرض الضوء، من خلال لغة السينما، على التحديات التي واجهها الشعب العراقي على...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram