علي حسينكلّنا يتذكر حكاية القوم الذين اخذوا يتجادلون ويتخاصمون حول مسألة هل البيضة أصل الدجاجة أم العكس؟ تاركين مصير بلادهم للأقدار. اليوم يصر العديد من سياسينا على إعادة هذا النقاش العقيم، هذا هو حالنا فنحن قوم أصيبت عقولهم بداء اللامبالاة، ولم تعد الأحداث الخطيرة تؤثر فينا، وكلما كثرت المشاكل والأخطار، كثر أيضا النفاق والكذب والخديعة، وكثرت التصريحات المتناقضة،
حين يقع العديد من الضحايا جراء عملية إرهابية يخرج علينا مسؤول ينفي ومسؤول آخر يقول إن الإرهاب لم يعد يشكل خطراً على الأمن، ومسؤول ثالث يتهم الأميركان، ومسؤول رابع يطالب العراقيين بالنوم ملء جفونهم عن شوارد الأمور تيمنا بعمنا المتنبي. في الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة البصرة ومن ثم بغداد خرجت علينا الماكنة الإعلامية للدولة بسيل من البيانات المتناقضة، باستثناء القيادة العامة للقوات المسلحة التي كانت في هذه الأثناء منشغلة بملف آخر تعتقد انه الأخطر وهو ملف المؤامرة التي قيل إنها تستهدف العملية السياسية، ولأننا ما زلنا منهمكين في مناقشة البيضة والدجاجة فقد خرج علينا النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد سعدون الصيهود ليقول: "هناك جهات سياسة لا ترغب بخروج الاحتلالِ من اجل إثارة النعراتِ الطائفية والعرقية وخلقِ حالة من عدم الاستقرار السياسي في البلاد"، متهماً تلك الجهات "بتقديم تقارير مغلوطة عن جاهزية القوات العراقية في وزارتي الدفاع والداخلية". حديث الصيهود والذي جاء قبل يوم واحد من استهداف مجلس النواب يعود بنا من جديد ليغرقنا معه في بحر التصريحات الكوميدية لإخفاء الحقيقة بأي شكل من الأشكال، نوع من العبث يحول القضية برمتها إلى مناسبة لممارسة أنواع من الخديعة على اعتبار أن أحدا لن يتوقف ليعمل عقله في هذا التسابق المجنون على إضفاء جو من الإثارة والسخونة على ملف الانسحاب الأميركي، فيما اعتبرها البعض فرصة سانحة لتصفية حسابات مع الخصوم. واخرين وجد أن إقحام قضايا مثل الحرص على استقلالية القرار العراقي سيعطيها مزيدا من التوابل، وحين لم يعثروا على أي خيوط تخدم هذه الرواية استداروا إلى مسلسل الانقلابات الوهمية وما شابهها.حديث الصيهود ذكرني بصور العديد من قادتنا الأمنيين حين يظهرون علينا وهم يفردون عضلاتهم من على شاشات الفضائيات يبشرون العراقيين بالنصر المؤزر متحدين القاعدة والقوات الأميركية، مطلقين تصريحات من عينة "إننا نعيش زمن الازدهار والاستقرار" وان "العراق اليوم أكثر استقرارا من كل دول المنطقة "لنكتشف فيما بعد أن مأساتنا الحقيقية أننا نتعامل مع كل شيء بعشوائية، نتحرك بلا أي إستراتيجية أو منطق، وبلغت بنا قلة الحيلة أننا صرنا نخترع كل يوم عدوا جديدا كي نلهي الناس عن العدو الحقيقي، وصارت معظم تصريحات ساستنا تثير المشاكل والأخطر غضب الناس.قراءة المشهد بالكامل وفتح وتكبير زاوية الأحداث التي مرت خلال الأسبوع الماضي تكشف لنا أن اسبابا عديدة تقف وراء تدهور الملف الأمني، أولها الحكومة وسوء إدارتها لمجمل العملية السياسية، الأمر الذي يبعث برسائل الى الجماعات الإرهابية لتستغل هذه الفوضى السياسية، المتهم الثاني هي القوى السياسية وغالبيتها يبحث عن مصالحه الخاصة ولا يهمه بناء نظام سياسي متين. السيد الصيهود يمكنك ان تجادل في الأزمة الأمنية ويمكنك أن تغير طريقة عرضك للأمور مثلما تشتهي وتريد، يمكنك أن تقول ما تشاء عن عظمة الأداء الأمني ولكن عليك أن تدرك جيدا ان من اولى مهام النائب المنتخب أن تكون خطواته وكلماته مدروسة ودقيقة ولا تخضع لمنطق "البيضة أولا أم الدجاجة".
العمود الثامن: الصيهود وحكاية البيضة والدجاجة
نشر في: 28 نوفمبر, 2011: 10:19 م