شوقي بغداديrnكل الذين قرؤوا عن اقتران القول بالفعل من دون ان يروه مجسدا امام عيونهم في اهاب انسان حي كان يجب ان يعرفوا (هادي العلوي) كي يقتنعوا بالمعاينة والمعاشرة ان اقتران القول بالعمل ليس مجرد احتمال نظري مستحيل او شبه مستحيل ان يتحقق في الكائن البشري على ارض الواقع الحي، وانما هي حقيقة اصيلة ممكنة جدا،
بقدر ماهي بسيطة وسهلة حين تتوفر في الكائن الصفات التي كان يتمتع بها «هادي العلوي»..rnولكن من هو «الهادي العلوي» اولا لمن لايعرفه؟. rnجسد ضئيل ناحل، وعينان متعبتان، وصوت واهن ولكنه مؤثر، ونفس قريب الى القلوب في الخلوات الحميمة حتى لتحسب انه رجل ساذج، ولكن سرعان ما تدهشك منه عبارة تنم عن عالم داخلي غاية في الخصوصية والعمق والثراء، وعن خلفية ثقافية عريضة عرض السماء التي تظلنا والارض التي نسعى فوقها..rnالهادي العلوي مثقف عراقي كبير نزح من العراق الكابوس كما نزح كثيرون طلبا للنجاة في منفى آمن.. rnكان قد اسس لاسمه مكانة مرموقة في عالم الفكر والتأليف والبحث والنضال السياسي قبل ان يهاجر من بلده، ولكنه سرعان ما اضاف اليه من جهده الخارق في طلب المعرفة وتنظيمها واستخلاص المجدية منها ثم ايصالها الى الجماهير الواسعة بأيسر الطرائق والاساليب فكتب في التاريخ والفكر السياسي، والفلسفي وفي التأليف المعجمي ما يعجز عنه فريق عمل كامل، في سنوات معدودات، وكان في كل ما ابدعه مرجعا موثوقا يعتد به دونما تردد..rnلجأ الهادي الى سوريا ولبنان ثم طوحت به الدنيا بعيدا جدا الى اقصى الشرق في الصين حيث قضى مايقارب الخمسة عشر عاما يعمل في حقل الفكر فدرس الفلسفة الصينية واوغل في دراستها ، وكان عمليا اول مفكر عربي ينقل الى القراء العرب ما يجهلونه عنها في كتابه الكبير عن (التاوية) اهم مافي التراث الفلسفي- الديني في تاريخ الصين.rnوربما كان الاهم والاجمل من كل هذه الجهود الخارقة في التأليف والبحث هو سلوك (الهادي العلوي) في حياته اليومية مع الناس والاشياء والاحداث اذكر مثلا اننا تبادلنا الرأي معا ذات يوم في القيام بعمل فعال جديد ينهض به المثقفون العرب الطليعيون لمناهضة الغزو الثقافي الغربي والامريكي خاصة غير الكتابة والتأليف وهو الدعوة الى تشكيل جبهة من هؤلاء المثقفين تحت شعار اقتران القول بالفعل كأن تدعو هذه الجبهة الى مقاطعة البضائع ذات المنشأ الامريكي والاوربي الا في حدود الحاجة الملحة مع استثناء بعض الدول الصديقة وبالتالي الاكتفاء بما يقدمه الانتاج المحلي، وان يبدأ ذلك في مجال الاقمشة والملابس والاحذية والادوات المنزلية وغيرها مما توفره المعامل الوطنية من انتاج وكما هي العادة ظلت هذه الافكار مشروعا هائما في الوجدان او على الورق فلم تنشأ الجبهة المذكورة، وحين استجاب بعضهم لفكرتها مبدئيا لم يعمد احد الى تطبيق شعارها على نفسه بالفعل سوى الهادي العلوي اذ راح يجوب الاسواق بحثا عن انتاج وطني يرتديه او يجتذبه، وهكذا بدأ هذا المثقف طريقا غريبا مثاليا وواقعيا في آن واحد وسط بيئة تفتقد خصوصيتها العريقة يوما بعد آخر وكأنه (دون كيشوت) عربي مايزال على قيد الحياة.rnلقد هد المرض اخيرا هذا الجسد الناحل فاخمد طاقة العينين على القراءة اولا وهي المصيبة الادهى والاكبر بالنسبة للهادي العلوي، فاذا بقلبه يتعثر ويترنح واذا بدماغه يعترض على كل هذا بما يشبه الصدمة التي تهدد بنوع من الشلل، ولم تطل المعاناة كثيرا، اذ اسلم (الهادي العلوي) الروح بعد اشهر معدودات ودفن في مقبرة حي (الست زينب) حيث يمضي معظم العراقيين المنفيين خارج وطنهم كي يستقروا في مثواهم الاخير.rnالان فقط احزن اعمق فأعمق بل انقم على نفسي انني لم الازم الهادي العلوي في مراحل حياته الاخيرة فاكسب في صحبته مالا اجده حولي الان... rnوهكذا نشعر بالفراغ الكبير الذي يتركه رفاقنا الكبار دائما بعد فوات الاوان..rnرحمة الله عليك ايها «الهادي». الغائب الحاضر.. والى لقاء قريب.rnجريدة الخليج 1998
الهادي العلوي غائبا حاضرا
نشر في: 30 سبتمبر, 2009: 05:39 م