رضا السماك rnرحل العلوي عن دنيانا بعد ان صارعه الموت عدة مرات، مخلفا تركة عظيمة من الدراسات والابحاث في قضايا التراث العربي واللغة والفكر السياسي والتاريخ. ولعل في رحيله المفاجئ والصامت ومن دون النعي الاعلامي العربي الذي يستحقه خير دلالة رمزية مكثفة مأساة الحياة التي عاشها في ربع القرن الاخير من حياته وما عاناه من محن في المنفى فضلا عن مأساة واقعنا العربي الرديء.
كان هادي العلوي يجسد نموذج المثقف الكوني، بمعنى الكلمة، مرهف الحساسية والتأثر بهموم وطنه وامته، اعتزل الناس وهو في المنفى، في صومعة الفكر، لكنه ما انقطع عنهم وعن همومهم.. تسامى وارتقى بأحاسيسه وهواجسه الانسانية فوق مطالب الحياة اليومية زاهدا فيها، مغالبا وهن الجسد وآلامه، كابحا وقامعا نزعات الشهوة واللذة فيه.rnوكان هادي معتدا الى ابعد الحدود، بسلطة الفكرة والثقافة، فوق اي سلطة، في اي شكل من اشكال التجمع البشري ومؤسساته.rnكان صديقا ودودا للكائنات الحية المسالمة الضعيفة والمستضعفة، يمقت بشدة العدوان على اي منها، وكان العلوي قد عاش حياة مثيرة للجدل في مواقفه وافكاره وكتاباته فجمع غضب اعدائه واصدقائه معا، لكنه كسب محبة هؤلاء الاخيرين وعصي عليهم كرهه، لما يتصف به من شجاعة وجرأة في الدفاع عن افكاره ومواقفه دون مداهنة او تنازل، ولما تنسجم به حياته العامة مع حياته الخاصة في عدم التناقض بين القول والفعل، او بين الفكر والسلوك.. واتقاد عاطفته لم يسلم احد من سهام نقده انظمة واحزابا، بما فيها الاقرب الى قلبه، وتنظيمات شعبية ومثقفين وشخصيات عامة ومختلفة..rnمفكر مثير للجدل..rnكان هادي العلوي بعبارة واحدة شخصية مثيرة للجدل ونسيج وحده.rnكان مفكرا سياسيا وتراثيا، بطريقته الخاصة، عاش وعاصر حياة حافلة بالتحولات السياسية- الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، لم يغب خلالها عن النقد والتنظير والحوار. ولم يشف غليله منهج علمي واحد تشرنق فيه، بل حاول في اغلب الاحيان ان يصوغ او يبني له منهجا خاصا من خلاصة عدة مناهج وفلسفات قديمة وحديثة: المادية التاريخية، الليبرالية الماوية، الصوفية، التاوية، المشاعية، فلسفة الحق في كل الاديان، كانت الحكمة هي ضالته في جوهر الاديان والفلسفات الانسانية مادامت تسعى الى الخير والجمال والعدالة وتنصر المظلومين والفقراء، وترسم الطريق لهم لنيل حقوقهم من مستغليهم وظالميهم.rnولانه مفكر مثير للجدل وله نهجه الخاص فقد قاده ولعه وافتتانه بالفلسفة القديمة الى الاقامة في رحاب ومناخ هذه الفلسفة طوال شطر كبير من منفاه، فقد كان متنقلا بين دمشق وبكين.. في الاولى انجز العديد من ابحاثه واعماله الفكرية والتراثية وكان يحلو له احيانا ان يختلي في معرة النعمان، محل صومعة وعزلة فيلسوفه وشاعره الاثير (ابو العلاء المعري) حتى ذيل مقدمات بعض كتبه بهذا المكان.rnوفي بكين انجز بعض اعماله المتصلة بالفلسفة الصينية القديمة ومنها كتاب التاو وآثر ان يذيل مقدمته بالتاريخ السرياني – الميلادي معادلا التقويم الزراعي الصيني من سنة الديك.rnموقفه من النحو العربي..rnوفي صعيه المحموم الدؤوب لتطوير «نحو اللغة» وقواعدها كان ثائرا متمردا على الجمود والتزمت وعبادة قوانينها الازلية وكان ضد المحافظين على تقديس هذه القوانين وعدم اخضاعها لنواميس التطور المنسجمة مع العصر ومع حضارة امة عريقة.rnوقادته هذه الجرأة في التمرد للانفراد وحده بمنهج لغوي خاص به يكتب به ابحاثه ومقالاته ورسائله، وهو منهج يجمع بين اللغة المحكية واللغة المنطوقة او «العامية» وينبذ او يبتعد عن المتعارف عليه من قواعد الاعراب والصرف الجافة او الغامضة التي لاتستسيغها ألسن عامة المثقفين، ولا عامة الناس، مؤثرا السهل الممتنع حتى لو خرق هذا السهل الممتنع قوانين اللغة وشروطها... فان قيّض لك ان قرأت احد نصوصه وعثرت على خطأ لغوي شائع من اخطاء النص استعصى عليك معرفة ان جاء ذلك ضمن سياق منهجه اللغوي الذي اختص به ام ضمن سياق الاخطا اللغوية الشائعة التي يقع فيها الكتاب والباحثون وعامة المثقفين كبارهم وصغارهم على السواء.rnوقد حرص بنفسه في اغلب الاحيان على التنويه بمنهجه في هوامش ابحاث ام مقدمات كتبه وشرح ذلك مفصلا في كتابه «المعجم العربي الجديد.. المقدمة» واصفا اللغويين الذي يحرسون اللغة بقوة الامر والنهي انما يحرسون ضريحا، لا كائنا حيا، ناعتا إياهم بـ»الاكليروس اللغوي».rnفلسفته في التصوفrnعاش العلوي حياة مفعمة بالعطاء الفكري والثقافي، وذاق مرارة القلق والتشرد وعدم الاستقرار، وامتزجت هذه الظروف وتمازجت فيه الرغبة في الزهد وتبني التصوف فلسفة وحياة وعندما سئل عن اسباب ظاهرة اقبال الكثير من المثقفين على الصوفية، انكر هذا الاقبال: لم تلاق الصوفي هذا الهوى والاقبال.. فالمثقف العربي المعاصر منخلع من تراثه الصوفي، وما حصل حتى الان هو الاقبال على الادب الصوفي بريادة ادونيس..rnواجاب هادي عما اذا كان يعتبر نفسه صوفيا وكيف ترتبط الفلسفة الصوفية كفكر نظري بالممارسة قائلا: تابعت المعري في عدم اكل اللحم والنباتية الصرفة وخالفته في اكل منتجات الحيوان كالحليب والعسل، اذ ليس فيه عدوان على الحيوانات الاشكال في ذبح الحيوان، اي قتل
آخر متصوفة بغداد
نشر في: 30 سبتمبر, 2009: 05:40 م