هاشم العقابي"الحنّاية" في اللهجة العراقية تعني رغيف خبز صغير تعده الأم لأطفالها الصغار. و "أبو حناية"ّ حكاية كنت اسمعها من امي تشرح لنا بها مثلا عراقيا مشهورا، خاصة بالجنوب، يقول: "مثل ابو حنّاية". تقول الحكاية ان "ابو حنّاية" هذا كان رجلا طويلا قويا مفتول العضلات اذا هجم على مئات من الرجال يفرون من امامه. مشكلته انه كان يكثر من الصفنات والسكوت منشغلا باعداد "حنّايته" تحت حرارة الشمس وليس بالتنور. وهذه بطبيعة الحال تتطلب وقتا كبيرا منه فينشغل عن هموم قريته مكتفيا بانتظار ان تنضج "الحنّاية".
وذات يوم حدث هجوم عنيف على القرية. احرقت بيوت ونهبت اخرى وقتل من قتل فيها. ورغم صراخ النساء وعويل الاطفال، لم يتحرك صاحبنا من مكانه لانه منشغل بما هو أهم. كانت النساء تنادي به: "يمعود يبو الغيرة ما عدنه غيرك.. ولك كوم الهم تره فنونه فني". واخونا منشغل لا يرد. وفجأة مر احد المهاجمين فداس على "الحنّاية". وحين شاهد صاحبنا "حنّايته" تداس تحت اقدام الغزاة، نهض مشمرا عن ساعديه وزمجر وعربد وصار يضرب المهاجمين رأسا برأس الى ان فروا من امامه. الفحوى هو ان غيرة "ابو حنّاية" لم تهتز من اجل ما حل بقريته من خراب ودمار، انما اهتزت من رأسها الى قدميها حين داس العدو على "الحنّاية".ما جرني للحديث عن هذه الحكاية هو انني لم المس حماسا واهتماما من اغلب النواب ومن الحكومة ومكتب القائد العام للقوات المسلحة، بالتفجيرات التي عمت وتعم العراق، مثلما لمستها حين وصلت سيارة مفخخة لاستهداف مجلس النواب بالمنطقة الخضراء (الحنّاية). فكم من العراقيين قتلوا واصيبوا مقارنة بعدد القتلى والمصابين بالتفجير الأخير؟ آخر ما جاء بالإنباء أمس ان مكتب المالكي اكد بان المعلومات الأولية بشأن تفجير البرلمان ستعلن على الملأ خلال 24 ساعة. كم تمنينا وطالبنا بمثل الاهتمام حين تحصد المفخخات ارواح مئات لا بل آلاف من الضحايا. كان صمت الحكومة اشد من صمت كواتم الصوت وهي تحصد خيرة أبنائنا على مدى أعوام وأعوام. المتحدث باسم مكتب القائد العام، الذي بشر "الملأ" وليس "الملا" بانه سيكشف لنا اليوم عن السر العظيم قال: "إن "الجهات الخاصة بالتحقيق في تفجير البرلمان توصلت إلى خيوط مهمة جدا". ثم بين: "انه "لم يتم، حتى الآن، التوصل إلى الشخصية المستهدفة، أو الطريقة التي أدخلت بها السيارة المفخخة إلى المنطقة الخضراء". فان كانت قواتنا المسلحة لم تتوصل للطريقة التي دخلت بها المفخخة لخضرائها، فما هي اذن الخيوط "المهمة جدا" ايها المتحدث البليغ؟اظنها "مهمة" و "جدا" من وجهة نظره، لان السيارة المفخخة داست هذه المرة على "حنّاية" السلطة، وليس على "حناّيات" اولاد الخايبة. وهذا لعمري هو الكيل "بحنّايتين" وليس بمكيالين فقط!
سلاما ياعراق : أبـو "حنّـــايــــة "
نشر في: 30 نوفمبر, 2011: 08:02 م