ســـلام خـــياطفي بداية حياتي العملية في مهنة المحاماة، كنت أرتعش رهبة ورهبا وأنا ألج قاعة المحكمة، وأقف بين يدي الحاكم المتمرس، لأسلمه نص عريضة الدعوى، أو أتلو مضمونها على ملأ من الحاضرين,
غريرة كنت وحديثة عهد بالمهنة الشاقة، وثقافتي القانونية فجة لم تنضج بعد.. الغريب في الأمر، إنني لم أكن لأخجل من عريي في معرفة لغة القانون وأسرار أصول المحاكمات، كنت ألجأ للمخضرمين من المحامين المتواجدين على الدوام في غرفة المحامين الوسيعة في بناية المحاكم في القشلة،، أسالهم وألج في طلب المعرفة، وأستلهم منهم الرأي والحجة.. لذا كنت أدخل قاعة المحكمة وأنا مدججة بخبرة من تعلمت منهم ألف باء أصول المرافعات.من أنضج ثمرات الدروس الأولى التي علمنيها المحامي القدير فهران الدليمي – عليه الرحمة حيا وميتا – إنه نصحني، بصرامة أستاذ وحنان أب: لا تشفعي عريضة الدعوى أو تذكري في ختامها:: ألتمس من المحكمة المحترمة،، او أناشد المحكمة الموقرة،، أو ارجو من سيادة الحاكم،، أو آمل منه أن...كذا وكذا. هذه العبارات رجراجة مهادنة متهاونة، لا تليق بمن يطالب بحق، ويستميت بالحصول عليه، لا تليق بالمحامين الكبار ولا مكان لها في قواميسهم..وكان حين بلتبس الأمر علي ويلمح حيرتي،، يواصل حديثه: إختمي عريضة الدعوى بكلمة: أطالب أو أطلب،، لا تهابي من صيغة الأمر تطلقينها بوجه حاكم، مهما بدا ضليعا بتطبقات القانون وإستلهام جوهره المكنون،، شرط.. وهو شرط لزوم وحتم: إحتواء عريضة الدعوى شروطها القانونية المحكمة، مدعومة بالأسانيد والقرائن، معززة بالأدلة الثبوتية.قبل شهر، وفي مؤسسة حكومية لها مساس مباشر بحيوات الناس ومعاشهم، شهدت – بالصدفة – مشاجرة كادت تتحول لمباراة ملاكمة، بين مواطن فقعت مرارته لكثرة المراجعات الملغومة بالروتين، وبين موظف، تتوقف على توقيعه معاملات جمهرة من المراجعين، (حضور الموظف كهلال العيد) فهو مشغول باللجان والإيفادات، فإن حضر، حضر متأخرا،، ولو صادف وحضر مبكرا، إنصرف باكرا!!، المواطن المنكود، تلكأت معاملته المعاشية أسابيع، وحين فاض به الإحساس بالغبن، رفع صوته عاليا،حتى سمعه كل من في الصالة: والله والله، لأشكونك للوزير (...) فما كان من الموظف البرم المتجهم إلا أن ترك كرسيه، إخترق جمهرة المراجعين، يحاول الأخذ بتلابيب المراجع:: -- روح إشتكي لا إنت ولا اللي خلفوك ولا الوزير بقادر على زحزحتي من مكاني،الإنسان عموما مجبول من أنانية وجشع وطمع، لو أستطاع لأنشب أنيابه وأظافره في رقبة خصمه، لو لم يشكمه قانون رادع صارم.. ومقولة: من أمن العقاب أساء الأدب منقوعة بماء الحكمة،، هذه المقولة (الدستور) ينبغي تفعيلها والعمل بها في الحال، فالموظف مهما علت درجته ليس أكثر من خادم للشعب، ولوأيقن الموظف – مهما علا اوتدنى، إن سيف القانون العادل له بالمرصا د لو فرط أو إستهان بحقوق المواطن __ وإنه عرضة للمساءلة، بالسجن، بالإقالة أو الفصل، أو التوبيخ لما تجرأ وتمادى وإعتبر المواطن زائدة دودية، لا دور لها ولا نفع منها.. أذكر الهمسة الصارخة للمحامي فهران الدليمي:: لا تلتمس، لا ترجو، لا تناشد، لا تتوسل، إنها لا تليق بصحفي ينتحل دور محام، بل أطلب وطالب،لا تتهيب من صيغة الأمر، ففي يدك صولجان الدفاع عن المظلومين والحيارىوعلى منكبيك يتربع سيادة القانون وعلى رأسك تاج صاحبة الجلالة.
السطور الأخيرة: نطالب، لا نلتمس، لا نناشد، لا نتوسل
نشر في: 30 نوفمبر, 2011: 09:04 م