علي حسينللمرة الثالثة على التوالي استطاع سياسيونا الأشاوس أن يحفظوا لبغداد مركزها الأول في قائمة المدن الأسوأ، وهذه المرة تغلبت على مدينة بجمهورية افريقيا الوسطى وعلى عاصمة تشاد ، التقرير الذي أصدرته منظمة ميرسو لنوعية المستوى المعيشي عام 2011 في معظم مدن العالم يقول ان فينا حصدت المرتبة الاولى كأفضل مدينه في العالم ،
طبعا لا اريد المقارنة مع عاصمة النمسا فليالي الأنس زاهية هناك فيما ليالي الأسى والبؤس والظلام تخيم علينا ، الا ان ما أثارني في التقرير هو سنغافورة هذه المدينة التي كانت على هامش التاريخ قبل عقود قصيرة من الزمن أصبحت اليوم المدينة الأفضل في آسيا متغلبة على طوكيو ودبي .. سنغافورة الجزيرة الصغيرة التي تفتقر إلى الثروات الطبيعية ، استطاع سياسيوها ان يجعلوا منها واحدة من اكبر مراكز المال في الكرة الأرضية . في كتابة " قصة سنغافورة " يروي رئيس وزرائها السابق لي كوان يو كيف بدأت مسيرة هذه البلاد التي لم يكن فيها سوى المستنقعات والفقر واقتصاد يعتمد على إيجار قاعدة عسكرية للبريطانيين. كان لي كوان في مقتبل حياته يحلم ببناء وطن للناس وليس لأقاربه ومقربيه ، وحين أتت الفرصة بنى المصانع وطلب من الناس ان تعمل لا ان تهتف له، أغلق السجون وفتح المدارس. وطبّق حكم القانون لا حكم دولة القانون ، فأقام نموذجا لبلد لا تنتهك فيه الحريات ولا تعطى الأوامر للجيش باعتقال الناس على الشبهات ، لم يفضل طائفة على اخرى رغم ان سنغافورة متعددة الطوائف والأعراق ، لم يطلب من شيوخ عشائر الماويين والهنود ان يهتفوا بحياته وهو يوزع عليهم مسدسات فضية ، فقط طلب من الجميع ان يتساووا في الحقوق والواجبات يقول لي كوان: عملنا على إنتاج مجتمع آمن ومستقر، وركزنا على الثقافة والفنون، فتمكنَّا من تكوين أشخاص، ومؤمنين بأن الحياة تستحق العناء من أجلهم وأجل أبنائهم".يتذكر لي كوان حكاية الزعيم الصيني دينغ شياو الذي جاء في زيارة هذه الجزيرة الصغيرة ليكتشف بنفسه سر تطورها وبعد أسبوعين قال لمرافقه السنغافوري "لم تكن معي صريحا. لا بد من انك تخفي سرا، كل ما في الصين أرخص سعرا من هنا. الأرض والطاقة والماء واليد العاملة. فلماذا تنجحون انتم ونفشل نحن؟ ما هي الوصفة السحرية التي استخدمتموها ". ارتبك مرافقه وقال له: وصفتنا السحرية وضعها الرئيس لي كوان وتتلخص في الثقة بالإنسان ، حب الحياة، السعي لمعرفة كل شيء، ، بهذه الوصفة استطاع لي كوان ان يحول سنغافورة من مستنقع فقير الى قوة اقتصادية كبرى، وان يبني واحدة من معجزات القرن العشرين. ما الذي ستقوله حكومتنا الرشيدة عن هذا التقرير الدولي، حتما سيخرج الناطق الرسمي ليتهم جهات خارجية بتشويه صورة بغداد امام العالم ، فالعاصمة تعيش ازهى عصورها .. المصانع تعمل بأقصى طاقتها ، المشاريع الخدمية فاقت الوصف ، مراكز الترفيه والثقافة أصبحت لا تعد ولا تحصى حتى ان الزائر لبغداد يحتار اين يقضي أماسيه ، ستحسن الحكومة صنعا إن هي أصدرت بيانا تناشد فيه الشعب ألا يصدق ما تقوله المنظمات الدولية التي تريد تخريب مسيرة التطور والتقدم التي تشهدها البلاد ، وسيطلق بعض المقربين العنان لخيالهم وهم يتحدثون عن المستقبل الوردي الذي ينتظر العراقيين في الأيام القادمة ،وسيخرج علينا اشاوس مجلس محافظة بغداد وهم يشتمون واضعي هذا التقرير الذي يسيء لمكانة بغداد اليوم، فكيف تسنى لهذه المنظمة العميلة ان تحرف الحقائق وتضعنا في المراتب الاولى للخراب بينما الواقع يقول اننا نعيش ازهى عصور البناء والتقدم ، والناس تنشد بالشوارع ليل نهار " بين الشعب وبينك عهد وشفته بعينك ".
العمود الثامن: بغداد وفضيحة استطلاع عالمي
نشر في: 30 نوفمبر, 2011: 10:33 م