بغداد/ المدىداخل محكمة الأحوال الشخصية في الكرخ تقدمت أستاذة الجامعة بخطوات متثاقلة وهي تخفي وجهها خلف نظارتها السوداء التي تحجب عن الحاضرين دموعها وأحزانها التي لم تنته بعد، راحت تتلفت يمينا ويسارا حتى لا يراها أحد وأخذت مكانها في آخر المقاعد في ممر المحكمة تنتظر دورها في الدخول إلى قاضي الأحوال الشخصية،
وفي هذه اللحظات راحت تستعيد شريط ذكرياتها الطويل مع زوجها تمرره أمام عينيها لعلها تجد له حسنة تغفر له تلك الآلام التي سببها لها ،ويجعلها تتراجع عن طلب التفريق أمام المحكمة، راحت تستعيد ذكريات عشرين عاما مضت من حياتها قضتها إلى جوار زوجها المحامي كيف مضى بها قطار العمر حتى وصل إلى هذا اليوم المؤلم الذي تطلب فيه الطلاق منه لأنه خدعها!.تذكرت سنوات الحرمان الشديدة التي عاشتها مع زوجها المحامي وكيف تحدت أسرتها ووالدها الذي رفض زواجها من هذا الشاب الذي لم يكن يملك شيئا سوى تقديم الحلقة لها واستدان من أقربائه ليكمل غرفة النوم، في الوقت الذي كانت تعيش هي في دار فخمة وتمتلك سيارة حديثة ،ولكنها من أجل الحب الذي وهبته له تحدت أسرتها كلها حتى تزوجت الشاب الذي اختارته وضحت بكل ما تستطيع من أجل زواجهما، ظلت (س) تتذكر تلك اللحظات الجميلة التي عاشتها مع زوجها وكيف أنها حرصت على ألا يشعر هو بالفارق الاجتماعي الكبير بينهما ، وكيف أنها وقفت إلى جانبه وساندته وأعطته أكثر من مليون دينارمن حسابها بالبنك حتى يتمكن من اقتحام الحياة العملية وجعلته يطرق أبواب الرزق بخطى ثابتة ،كان هو كل مستقبلها وحياتها حتى استطاع أن يثبت وجوده وأصبح واحدا من أشهر المحامين في بغداد ، كذلك اشترت له سيارة حديثة وأخذ يمتلك عقارات من خلال عمله الذي وفرته له، وكل هذا الذي عملته، ولكنه تنكر لكل تضحياتها من أجله وكان رد الجميل لها هو الطعن والخيانة والغدر وراح يقضي معظم وقته في مكتبه وفي أحضان محامية صغيرة شغَّلها سكرتيرة عنده، اكتشفت هذه العلاقة بالصدفة ،مرت تلك اللحظات كأنها دهر مرَّ دون أن تشعر به أستاذة الجامعة ولم تنتبه لصوت بكائها الحارق الذي أثار كل الموجودين في الممر، ولم تفق من غفلتها، على انتباه الحاضرين لها إلا على صوت شرطي القاضي وهو يصرخ وينادي عليها للدخول إلى القاضي، أسرعت (س) وهي تمسح دموعها الغزيرة للدخول إلى غرفة القاضي ووقفت أمامه وهي تحاول عبثا تجفيف دموعها المنهمرة التي زادت من غزارتها رؤيتها لزوجها المحامي وهو يقف في ركن جانبي بالغرفة، حاولت (س) الأستاذة في إحدى كليات جامعة بغداد أن تتماسك وتلملم شتات نفسها وراحت تروي غلطة عمرها لقاضي الأحوال قائلة: سيدي القاضي أنا سيدة أنتمي إلى أسرة معروفة في الوسط الاجتماعي يوم تقدم زوجي للزواج مني رفض والدي بإصرار لأنه في ذلك الوقت لم يكن يمتلك من حطام الدنيا شيئا وكان الفارق الاجتماعي بيننا كبيرا لأبعد الحدود ولكنني تمسكت به لأنه حبي الوحيد الذي اخترته، فقد بهرني بشخصيته القوية واعتزازه بنفسه وأدركت أنه الرجل الوحيد الذي يمكن أن يشاركني حياتي ومستقبلي القادم، ولم أتردد لحظة واحدة وأسرعت إلى والدي الذي رفض طلبه بشدة وأقنعته بتمسكي بذلك الشاب ورغبتي الشديدة في الارتباط به ، وبعد عام تزوجنا ولكن بثمن باهظ جدا ، فقد كان الثمن أسرتي التي رفضت حضور الزواج ولم يزرني أحد منهم طوال أكثر من ثلاث سنوات بعد الزواج ،وفي تلك الأثناء قدمت لزوجي كل ما استطيع من أموالي وحبي وحياتي حتى يفتح مكتبا للمحاماة وأعطيته سيارتي حتى يجعل له كيانا مرموقا بين مجتمع المحامين وضحيت بالكثير من أجله، ومرت سنوات العمر بسرعة كبيرة كنت أحصل على راتبي من الكلية وأقدمه له حتى ينفق هو على البيت ولم أجعله يشعر بأي مشكلة تخصني أو تخص أولادنا ثمرة الزواج،، هيأت له الأجواء المناسبة للنجاح حتى يخترق طريقه بقوة ولا أكون عقبة في ذلك الطريق، صمتت الأستاذة لحظة ثم انفجرت بالبكاء وأشارت إلى زوجها المحامي وصرخت قائلة ،اسألوه هل قصرت في حقه، هل أسأت له يوما من الأيام، اسألوه عن حجم التضحيات التي قمت بها من اجله سيدي القاضي، قالتها الزوجة بصوت منكسرثم استطردت لم آت اليوم لأتحدث عن حجم تضحياتي أو ما قدمته له ،لم آت حتى أتشفى به أو أطالبه بدفع الثمن وإنما جئت لأحصل على الطلاق من زوجي الذي دمر حياتي وأصابني بضرر كبير في شخصيتي ونفسي ووضعي الاجتماعي، جئت اليوم أطلب الطلاق من زوجي. لا أريد أن تكون نهاية علاقتنا مأساوية بل أريدها أن تنتهي بهدوء على الأقل من أجل أولادنا ، ولكنه رفض كل محاولاتي وأصر على إلا يطلقني بل وأكد أنه سيجعلني امرأة محطمة،ولن يطلقني، هجر فراش الزوجية طوال سبعة أشهر وكان يلقي بنفسه في أحضان محامية شابة جعلها سكرتيرته الخاصة وأجَّرَ لها شقة لسكنها مع خالتها،وعندما اكتشفت ذلك أدركت أن الحياة معه أصبحت مستحيلة، أنا لا أريد منه شيئا، يحب أن يتزوج السكرتيرة أو الخادمة أو كليهما معا، ليفعل ما يشاء ولكن فقط أريد الانفصال عنه حفاظا على ما تبقى من كرامتي أمام أولادي وأسرتي وحتى استرد حياتي، وحريتي، ولم تنته الزوجة من كلامها، ولم ينتظر المحامي زوجها قرار القاضي حتى تفصل المحكمة في الدعوى القضائية،فقام من مكانه وصرخ بأعلى صوته قائلا: (س) أنت طالق،أنت طا
قيل وقال في المحاكم : كرامتي فوق كل شيء !
نشر في: 2 ديسمبر, 2011: 06:15 م