شاكر لعيبييرتبط مهدي محمد علي في ذاكرتي بصورة المنفى، الشاعر في المنفى. ثمة كائنات تعيش منافيها بصمت بليغ، كأنهم يغتذون سراً من قوت الحنين إلى أرض مجهولة، خبزها وحده يكفيهم. كان مهدي واحداً منهم.
الضجة لم تكن تليق به بل الصمت والعذوبة. لم ألتقِ به منذ زمن طويل، منذ سنوات بداية المنفى في سوريا، وما زالت صورته شاخصة بين عيني: الدماثة والصبر والإرادة غير المصرَّح بها من أجل هدف بعيد نبيل. اسم مهدي محمد علي يرتبط في ذهني كذلك بالبصرة، ليس لأنه ابنها البار، وليس لأنه كتب قصائد عنها ثم كتاباً نثرياً: "البصرة..جنة البستان"، بل لأن فيه شيئا من طبائعها: الكرم الروحي المتدفق عفو الخاطر، والمنساب من فضاء لا نعرفه. يموت الشعراء الآن في العراق وخارجه من دون هوادة بعذابين: داخلي، لا يمكن لأحد أن يتخيّله سواهم، وخارجي لا أحد من حكام البلد الجدد قادر أن يرى فيه مأثرة أو حكمة. يموت مهدي محمد علي وعلى ضريحه سأضع وردة وشوكة، وردة مشوَّكة، الأولى تذكاراً لمآثرة، والشوكة تذكيراً بخراب عام ما زال قائماً، لم يتمن الشاعر حضوره في بلده.من البصرة حيث يولد الشعراء إلى حلب حيث يهاجرون لا تبدو المسافة بعيدة في حساب الجغرافيا، لكنها مضنية في حساب الأرواح الباحثة عن خلاص وجودي. من كان يصدق أننا سنكتب الشعر ثم نموت في حلب؟
عن... مهدي محمد علي
نشر في: 2 ديسمبر, 2011: 06:22 م