TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الـشـاعــر الـمـخـلـص لـفـنِّـه والـوفـــي لـتـجـربـتــه الـشـعـريّــة

الـشـاعــر الـمـخـلـص لـفـنِّـه والـوفـــي لـتـجـربـتــه الـشـعـريّــة

نشر في: 2 ديسمبر, 2011: 06:23 م

عدنان حسين أحمدلندنلم يكن الشاعر مهدي محمد علي اسماً عابراً في المشهد الثقافي العراقي على الرغم من الغربة المضنية التي عاشها منذ عام 1978 حينما يمّم وجهه نحو الكويت هارباً من جحيم الاستبداد وحتى رحيله المُفجع في  30 تشرين الثاني 2011.
وفي أثناء هذه السنوات الطوال تنقّل الشاعر الراحل  بين عدن وليبيا وهافانا وموسكو وبعض العواصم الأوروبية قبل أن يستقر به المقام في حلب ليعمل محرراً لباب (أدب وفن) في مجلة (الثقافة الجديدة) التي كان ينشر فيها العديد من النصوص الأدبية المهرّبة التي تصله غالباً بأسماء مستعارة من داخل الوطن المسوّر بالبنادق والأسلاك الشائكة وعيون الرقباء السريين. ثمة معلومات كثيرة لا يمكن إدراجها في هذا المجال الضيّق عن وفاء الراحل مهدي محمد علي للمثقفين العراقيين بشكل خاص وللثقافة العراقية بشكل عام، ومن يراجع أعداد مجلة (الثقافة الجديدة) سوف يكتشف من دون لأْيٍ ولع هذا الشاعر بالمنجز العراقي في الفنون القولية وغير القولية. غير أن ما يحزّ في النفس هو المنجز الشعري للشاعر الراحل نفسه الذي لم يلقَ من العناية النقدية ما يستحقها، فلقد قدّم هذا المبدع على مدى ثلاثين عاماً أو يزيد عدداً من المجموعات الشعرية من بينها (سرّ التفاحة) و(شمعة في قاع النهر) و( سماع منفرد) و(خطى العين) و(ضوء الجذور) و(قطر الشذى)، هذا إضافة إلى كتابه النثري/ الشعري (البصرة.. جنّة البستان). إن هذا المنجز الكبير وغيره من المقالات والشهادات والدراسات الأدبية حري أن يُفحص ويُراجع بأدوات نقدية تستغور معطياته الفنية العميقة التي اشتغل عليها الشاعر الراحل على مدى عقود طويلة داخل الوطن وخارجه. وقد قلت ذات مرة في المقدمة التي كتبتها لحواري الطويل معه قبل أكثر من عشر سنوات ونشرته في حينه في صحيفة لندنية بأن (النص الشعري الذي يكتبه الشاعر مهدي محمد علي لا يمثل بالنسبة إليه هاجساً طارئاً، وإنما هو همُّ يومي معاش يتلبسه في كل حين حتى يخرج من أسار روحه أنموذجاً مكتملاً لا يحتاج إلى رتوش أو لمسات أخيرة. فالمفردة الشعرية في نصه تتموسق مع جاراتها، وتتماهى في النسق البنائي للجملة الشعرية. ولفرط عنايته بالإيقاع الداخلي نكاد نشعر بالمتدارك يخب في أرواحنا قبل المسامع. أما بصدد الصورة الشعرية فقد أولاها الشاعر جلّ عنايته حيث تحتشد القصائد بعشرات الصور المذهلة التي تنداح من مخيلة الشاعر العفوية التي لا تعرف الاحتباس. ولو تأملنا أي نص شعري متأخر لاكتشفنا بيسر عمق الفكرة وطراوة المفردة الرشيقة، وعذوبة الموسيقى الداخلية التي تنساب من دون قسر أو افتعال). لقد رحل الشاعر مهدي محمد علي في مغتربه السوري بعيداً عن البصرة الفيحاء، تلك المدينة الساحرة التي حملها في عينيه أينما حلّ وارتحل، حتى صار يوقع كل قصائده باسم (البصرة - حلب). لقد رحل الشاعر مهدي محمد علي قبل الأوان مخلّفاً وراءه منجزاً أدبياً كبيراً يحتاج منا جميعاً الى أن نوليه جلّ اهتمامنا وعنايتنا، وربما لا تفي صفحة مكرّسة هنا أو أخرى هناك بحق هذا الشاعر المخلص لفنه والوفي لتجربته الشعرية التي ذهب بها إلى أقصى المديات التي أتاحتها مخيلته الشعرية المجنحة، لذلك أدعو المنابر الثقافية العراقية لأخذ منجزه الإبداعي عموماً مأخذ الجد ودراسته بعين نقدية رصينة تنتصف لعموم تجربته الشعرية والحياتية علّنا نتوصل إلى نتائج وخلاصات كان الشاعر نفسه يتوق لملامستها بعد هذا العناء الطويل الذي لا يخلو بطبيعة الحال من متعة ونشوة وجمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram