TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > رحيل الشاعر مهدي محمد علي.. الحجّ إلى جنة البستان

رحيل الشاعر مهدي محمد علي.. الحجّ إلى جنة البستان

نشر في: 2 ديسمبر, 2011: 06:30 م

مبدع آخر يغيّبه الموت، وتحتضن مقابر الغرباء جسده الذي استنزفته الغربة والحنين الى الوطن، بينما روحه ترنو إلى جنة البستان البصرة حيث التهجي الأول ، ومرتع الأحلام..  هل أتعبته المنافي حد الرحيل الأبدي؟، أم تراه لم يجد سوى الموت بديلا للوطن؟، أم أنه اختار الرحيل بحسرة أغنية لم تكتمل؟
أكثر من ثلاثة عقود من النفي كانت فيها القصيدة تجسيدا لحلم في أن يرحل (نحو الوطن المغلوب..  بقطار تحت الأرض، يمر بأحياء تحت الأرض، ومحطات تكتظ بأعداء وعيون جواسيس). مهدي محمد علي أثخنت روحه الشاعرة جراح الوطن المغلوب، وحلم العودة.. رحل بصمت في منفاه الحلبي، بموت يشبه روحه التي لم تتقن يوما فنون الادعاء، لتعلن عن شاعريتها ، فقد اختار أن ينزوي بعيدا عن صخب المدعين.. سيرة حافلة اندغم فيها  النضال بالشعر، منذ مطلع سبعينات القرن المنصرم، مروراً بالتيه في صحراء البادية الجنوبية هربا من غدر الفاشست، وليس انتهاء بالمنفى الأخير.. المدى الثقافي استعانت بمحبي وأصدقاء الشاعر الراحل مهدي محمد علي لإضاءة جوانب من سيرته الحياتية والإبداعية.علاء المفرجيالمدى الثقافي****************************rnألا يكفيك مجدان؟ فاضل السلطانيالشاعر أم الإنسان؟ ما أسهل الفصل بينهما، للأسف، في كثير من الشعراء. لكن من يستطيع أن يفصل بينهما في مهدي؟ في بداية السبعينات وصلنا صوت مهدي من البصرة مع الأعداد الأولى من (طريق الشعب)، صافيا، نقيا، بلا إدعاء. سألت عنه أحد الأصدقاء، الذي التقاه صدفة في البصرة، فأجابني:إنه يشبه قصيدته.. صافيا، ونقيا، وتلقائيا مثلها!لم يتغير مهدي، ولم تتغير قصيدته. سارا معا بخطى متوازية. لم يثقل مهدي الإنسان فيه بأمراض المنفى المعروفة، ولم ترهق قصيدته نفسها بلعبة التجريب، واستلهامات الحداثة وبعدها. ظل الاثنان نقيين بلا إدعاء، وكأن أحدهما مكتف بالآخر.في منتصف الثمانينات تعرفت الى مهدي للمرة الاولى في منفانا السوري المشترك، فتذكرت قول صديقي: إنه يشبه قصيدته. كم شاعرا منا يشبه قصيدته؟ ومع الزمن، تبينت أن مهدي يشبه مدينته البصرة أيضا: بسيطا، ونقيا، وفقيرا مثلها. لقد اعتاد أن يوقع قصيدته بـ(بصرة حلب). وكنت أقول: هو وهم آخر من أوهامنا في المنفى. فالبصرة بصرة، وحلب حلب، والمنفى لا يصير وطنا. كنت واهما. من قال إن الأوطان لا تسافر؟ حطت البصرة في حلب، مخلّفة وراءها حروبها، وخرائبها، وخرابها، بل تحولت إلى (جنة البستان) في حلب.كم شاعراً يشبه مدينته؟كم شاعراً يشبه قصيدته؟ ألا يكفيك هذان المجدان يا مهدي؟ *******************************rnالشاعر البريءصلاح نيازيلم يلحّ شاعر من قبل على جغرافية بعينها كما ألحّ الشاعر مهدي محمد علي على مدينته البصرة.ربما كانت كتابه الوحيد يقرأه ويقرأه بشغف واستملاح، أو نهره الوحيد الذي يبرر وجود كائناته.ربما لهذا السبب لم يشعْ شعره ولم يصبحْ إيقاعاً متداولاً.الشاعر الرائج يتخذ صيغة نهر جار يُخصِبُ جغرافيات مختلفة وتمتلئ حواصل الطيور وثمار الأشجار بمائه وإلاّ أصبح بئراً بيتية ذات نفع خاص.الغريب أن مهدي محمد علي لم يجعل مدينته ْ في غربته طللاً بالياً مأهولاً بالأشباح، كما في الشعر القديم ولم تنتزعه أمواج الحنين  وتقذفه في ماضيه وملاعب صباه، كما فعل الكاظمي والجواهري والسياب. هؤلاء كانوا يعيشون جسداً بمكان وروحاً بمكان آخر. لهذا السبب يتميز شعر الحنين بالمسافة الطويلة التي تفصل الشاعر عن الموضوع الذي يكتب عنه.جغرافية البصرة التي عنى بها مهدي محمد علي كانت في داخله، لذا فهي خالية من الزمان والمكان وما من مسافة تفصل ما بينهما.هكذا تفردت بعض قصائد مهدي محمد علي  أعني تلك التي نشرها في مجلة الثقافة الجديدة وتميزت بتفصيلات جمّة عن أسماء شوارع ومخازن وسينمات  وأشخاص ومكتبات لدرجة تجعل القارئ يُحسّ بمدينة البصرة وهي تمارس يومياتها الاعتيادية حتى لتكاد تراها أمامك تتنفّس وتسمعها تثرثر. إنها بهذا المعنى مدينة أشبه بمدينة دبلن كما صوّرها جيمس جويس في رواية يوليسيس. هاتان المدينتان وهما على تلك الصورة لا مثيل لهما حتى في أدقّ الكتب السياحية لأن الكتب السياحية انتقائية ولا تعنى بحركة الناس وهم يتداولون العيش والرزق. هل كتب مهدي محمد علي بتلك الحميمية لأن هاجسه دلّه على ما ستؤول إليه البصرة؟ هل كان خرابها التاريخي ماثلاً له؟ ثمّة تطير خفي مرعب في قصائد هذا الشاعر البريء.  *****************************rnغياب الشاعر يذكّرنا بسؤال حسبناه انتهىفيصل عبد اللهذلك المنفى الذي حسبناه انتهى، بنهاية حقبة قاسية من تاريخ العراق السياسي المعاصر في التاسع من نيسان/أبريل 2003. يعيده لنا بشكل حارق غياب الشاعر البصري مهدي محمد علي، في أحد المستشفيات السورية يوم الأربعاء الجاري. قبل ذلك التاريخ كان السؤال محسوماً، سلطة دكتاتورية أرادت أن تجيرّ كل شيء باسمها حتى أصوات العصافير. ومثقف متمرد على إلزاماتها وعدته موقف سياسي شجاع، وبضع كلمات يجد فيها عزاء حريته المنتهكة. وقتها كان الانخراط في جوقة الطبالين يسري في عروق الثقافة العراقية على قدم وساق، وفي لعبة مخاتلة شعارها (وياها وياها) حسب ما تجود به

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram